والعبادة غاية الحب في غاية الخوف في غاية الذل؛ وكيف لا يشعر بالذل من يستحضر عظمة مالك كل شيء؟ أو بالخوف من يستحضر شدة وعظمة يوم الدين والحساب؛ وكيف لا يشعر بالحب من يسمع صفات الله تعالى؛ ولا سيما الرحمن الرحيم المنبني عليهما الإحسان؛ وكذلك سائر صفات الكمال؛ والمحبوب إنما يحب لكمال ذاته أو صفاته أو أفعاله، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها.
والله تعالى جعل العبودية وصف أكمل خلقه وأقربهم إليه فقال: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً) [١٧٢] وقال: (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) [٧/٢٠٦] وهذا يبين أن الوقف التام في قوله في سورة الأنبياء (وله من في السماوات والأرض) [٢١/١٩] ههنا ثم يبتدىء (ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون) فهما جملتان تامتان مستقلتان أي إن له من في السماوات ومن في الأرض عبيداً وملكاً ثم استأنف جملة أخرى فقال: (ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته) يعني أن الملائكة الذين عنده لا يستكبرون عن عبادته يعني لا يأنفون عنها ولا يتعاظمون ولا يستحسرون فيعيون وينقطعون يقال: حسر واستحسر، أي إذا تعب وأعيا بل عبادتهم وتسبيحهم كالنفس لبني آدم.