فالرحمن الذي الرحمة وصفه والرحيم الراحم لعباده ولهذا يقول تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيما) [٣٣: ٤٣] (إنه بهم رءوف رحيم) [٩: ١١٧]؛ ولم يجيء رحمان بعباده ولا رحمان بالمؤمنين مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به ألا ترى أنهم يقولون غضبان للممتليء غضبا وندمان وحيران وسكران ولهفان لمن ملىء بذلك فبناء فعلان للسعة والشمول ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيراً كقوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) (ثم استوى على العرش الرحمن) [٢٦: ٥٩]؛ فاستوى على عرشه باسم الرحمن لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم كما قال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء) [٧: ١٥٦] فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات فلذلك وسعت رحمته كل شيء؛ وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش إن رحمتي تغلب غضبي) وفي لفظ: فهو عنده على العرش.
فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ووضعه عنده على العرش وطابق بين ذلك وبين قوله الرحمن على العرش استوى وقوله (ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا) [٢٥: ١٥٦] ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم.
وصفات العدل والقبض والبسط والخفض والرفع والعطاء والمنع والإعزاز والإذلال والقهر والحكم ونحوها أخص باسم الملك وخصه بيوم الدين وهو الجزاء بالعدل لتفرده بالحكم فيه وحده ولأنه اليوم الحق وما قبله كساعة ولأنه الغاية وأيام الدنيا مراحل إليه.
الفصل الرابع والأربعون
في بيان اشتماله الفاتحة على شفاء القلوب
اشتملت الفاتحة على الشفاءين شفاء القلوب وشفاء الأبدان؛ فأما شفاء القلوب فقد اشتملت عليه أتم اشتمال وأكمله؛ فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين فساد العلم وفساد القصد.


الصفحة التالية
Icon