ويترتب عليهما داءان قاتلان وهما الضلال والغضب فالضلال نتيجة فساد العلم والغضب نتيجة فساد القصد وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد وأوجبه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه.
والتحقيق ب إياك نعبد وإياك نستعين علما ومعرفة وعملا وحالا يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب والقصد فإن فساد القصد يتعلق بالغايات والوسائل فمن طلب غاية منقطعة مضمحلة فانية وتوسل إليها بأنواع الوسائل الموصلة إليها كان كلا نوعي قصده فاسداً.
وهذا شأن كل من كان غاية مطلوبه غير الله وعبوديته من المشركين ومتبعي الشهوات الذين لا غاية لهم رواءها وأصحاب الرياسات المتبعين لإقامة رياستهم بأي طريق كان من حق أو باطل.
وكذلك من طلب الغاية العليا والمطلب الأسمى ولكن لم يتوسل إليه بالوسيلة الموصلة له إليه بل توسل إليه بوسيلة ظنها موصلة إليه وهي من أعظم القواطع عنه فحاله أيضا كحال هذا وكلاهما فاسد القصد ولا شفاء من هذا المرض إلا بدواء إياك نعبد وإياك نستعين؛ فإن هذا الدواء مركب من ستة أجزاء عبودية الله لا غيره بأمره وشرعه لا بالهوى ولا بآراء الرجال وأوضاعهم ورسومهم وأفكارهم بالاستعانة على عبوديته به لا بنفس العبد وقوته وحوله ولا بغيره.
فهذه هي أجزاء إياك نعبد وإياك نستعين فإذا ركبها الطبيب اللطيف العالم بالمرض واستعملها المريض حصل بها الشفاء التام وما نقص من الشفاء فهو لفوات جزء من أجزائها أو اثنين أو أكثر.
ثم إن القلب يعرض له مرضان عظيمان إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف ولا بد وهما الرياء والكبر فدواء الرياء بـ(إياك نعبد) ودواء الكبر بـ(إياك نستعين).


الصفحة التالية
Icon