ولهذا قال عبدالله بن عباس وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم : الصراط المستقيم هو الإسلام ؛ وقال عبدالله بن مسعود وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما : هو القرآن ؛ وفيه حديث مرفوع في (الترمذي) وغيره ؛ وقال سهل بن عبدالله : طريق السنة والجماعة، وقال بكر بن عبدالله المزني : طريق رسول الله.
ولا ريب أن ما كان عليه رسول الله وأصحابه علما وعملا وهو معرفة الحق وتقديمه وإيثاره على غيره فهو الصراط المستقيم.
وكل هذه الأقوال المتقدمة دالة عليه جامعة له فبهذا الطريق المجمل يعلم أن كل ما خالفه فباطل وهو من صراط الأمتين الأمة الغضبية وأمة أهل الضلال.
وأما المفصل فبمعرفة المذاهب الباطلة واشتمال كلمات الفاتحة على إبطالها.
الفصل السابع والأربعون
في اشتمال الفاتحة الرد على المنكرين لوجود الخالق العظيم
الناس قسمان مقر بالحق تعالى وجاحد له فتضمنت الفاتحة إثبات الخالق تعالى والرد على من جحده بإثبات ربوبيته تعالى للعالمين.
وتأمل حال العالم كله علويه وسفليه بجميع أجزائه تجده شاهدا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر بمنزلة إنكار العلم وجحده لا فرق بينهما بل دلالة الخالق على المخلوق والفعال على الفعل والصانع على أحوال المصنوع عند العقول الزكية المشرقة العلوية والفطر الصحيحة أظهر من العكس.
فالعارفون أرباب البصائر يستدلون بالله على أفعاله وصنعه إذا استدل الناس بصنعه وأفعاله عليه ولا ريب أنهما طريقان صحيحان كل منهما حق والقرآن مشتمل عليهما.
فأما الاستدلال بالصنعة فكثير.
وأما الاستدلال بالصانع فله شأن وهو الذي أشارت إليه الرسل بقولهم لأممهم (أفي الله شك) [١٤: ١٠] أي أيشك في الله حتى يطلب إقامة الدليل على وجوده وأي دليل أصح وأظهر من هذا المدلول فكيف يستدل على الأظهر بالأخفى؟! ثم نبهوا على الدليل بقولهم فاطر السماوات والأرض.