السماء موراً } قد يظن الظانّ أن المصدر هنا (موراً) لمجرد التوكيد، ولكنه ليس كذلك، بل هو لبيان تعظيم هذا المور، والمور بمعنى الاضطراب، يعني أن السماء تضطرب وتتشقق، وتتفتح وتختلف عما هي عليه اليوم، كما قال تعالى: ﴿إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت﴾. ولا إنسان يتصور أو يعلم حقيقة ذلك اليوم، ولكننا نعلم المعنى بما أخبر الله به عنه، أما الحقيقة فهي شيء فوق ما نتصوره الآن، ﴿وتسير الجبال سيراً ﴾ أي: تسير سيراً عظيماً، وذلك أن الجبال تكون هباءً منثوراً، وتتطاير كما تتطاير الغيوم، وتسير سيراً عظيماً هائلاً، لشدة هول ذلك اليوم، وهذه الآية تدل على أن قول الله تبارك وتعالى في سورة النمل: ﴿وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون ﴾. فإن هذه الآية هي نفس هذه الآية التي في الطور من حيث المعنى، فيكون قوله تبارك وتعالى: ﴿وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب ﴾ يعني يوم القيامة ولا شك، ومن فسرها بأن ذلك في الدنيا وأنه دليل على أن الأرض تدور فقد حرَّف الكَلم عن مواضعه، وقال على الله ما لا يعلم، وتفسير القرآن ليس بالأمر الهين، لأن تفسير القرآن يعني أنك تشهد على أن الله أراد به كذا وكذا، فلابد أن يكون هناك دليل: إما من القرآن نفسه، وإما من السنة، وإما من تفسير الصحابة - رضي الله عنهم - أما أن يحول الإنسان القرآن على المعنى الذي يراه بعقله أو برأيه، فقد قال النبي ﷺ :«من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» (). والمهم أن تفسير قوله: ﴿وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب ﴾ يراد به ما في الدنيا، تفسير باطل لا يجوز الاعتماد عليه، ولا المعول عليه، أما كون الأرض تدور أو لا تدور، فهذا يعلم من دليل آخر، إما بحسب الواقع، وإما بالقرآن، وإما بالسنة، ولا يجوز


الصفحة التالية
Icon