على أن غاية الخلائق الجن والإنس إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولا ثالث لهما، فالجن والإنس إما في النار وإما في الجنة، قال السفاريني - رحمه الله - في عقيدته:
وكل إنسان وكل جِنةٍ في دار نارٍ أو نعيم جنة
ويستفاد من قوله ﴿المأوى ﴾ أن القبور ليست هي المأوى والمثوى، لأن القبور ممر ومعبر، إذ إن وراء القبور بعث، ويذكر أن بعض الأعراب في البادية سمع قارئاً يقرأ قول الله تعالى: ﴿ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر﴾ فقال الأعرابي بفطرته وعربيته: «والله ما الزائر بمقيم، وإن وراء ذلك شيئاً»، لأن الزائر يزور ويمشي، والقبور يمكث الناس فيها ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يخرجون منها، قال الله تعالى: ﴿ومن ورآئهم برزخ إلى يوم يبعثون ﴾ فالناس لابد أن يبعثوا، والعبارة التي نسمعها أو نقرأها أحياناً أن الرجل حملوه إلى مثواه الأخير، يعني إلى المقبرة عبارة غير صحيحة، لأن القبور ليست المثوى الأخير، ولو كان قائلها يعتقد معناها لكان لازم ذلك أنه ينكر البعث ﴿إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ السدرة هي سدرة المنتهى، لأنه تعالى قال: ﴿ولقد رءاه نزلةً أخرى عند سدرة المنتهى﴾: ﴿إذ يغشى السدرة ﴾ وأل في مثل هذه العبارة تسمى عند النحويين (ال) للعهد الذكري كقوله تعالى: ﴿كمآ أرسلنآ إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول فأخذنه أخذاً وبيلاً﴾ ﴿ما يغشى ﴾، أبهم الله ذلك للتفخيم والتعظيم، يعني غشيها شيء عظيم بأمر الله عزوجل بلحظة، كن فيكون، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه غشيها من الحسن والبهاء ما لايستطيع أحد أن يصفها ()، ﴿ما زاغ البصر وما طغى ﴾ البصر بصر النبي ﷺ، يقول العلماء: ﴿زاغ ﴾ أي انحرف يميناً وشمالاً،﴿وما طغى ﴾ أي: تجاوز أمامه، فالرسول ﷺ كان على كمال الأدب في هذا المقام العظيم، لم يلتفت يميناً وشمالاً، ولم يتقدم بصره أكثر مما أذن له فيه، وهذا من كمال أدبه عليه الصلاة والسلام، وجرت