يشكل عليه هذه الآية، كيف يقول - عز وجل - ﴿حتى نعلم﴾ وهو قد علم؟ فيقال: ﴿حتى نعلم﴾ يعني العلم الذي يترتب عليه الثواب، وأما علم الله السابق فإنه لا يترتب عليه الثواب ولا العقاب.
والكتابة السابقة معناها أن الله سبحانه وتعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء، كما جاء في الحديث الصحيح: «أن الله لما خلق القلم قال له: اكتب، قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة ما هو كائن إلى يوم القيامة» (). فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، نؤمن بهذا، قال الله تعالى: ﴿ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأَرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ﴾. وقال - عز وجل -: ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأَرض يرثها عبادي الصالحون ﴾ أما الكتابة اللاحقة فهي أن الله سبحانه وتعالى إذا عمل الإنسان عملاً كتبه، قال الله تعالى: ﴿كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين﴾ وهذه الكتابة هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب، ﴿وكل شيء فعلوه في الزبر﴾، ومعنى الآية: أن كل شيء يفعله الإنسان فإنه مكتوب، فلا تظن أنه يضيع عليك شيء أبداً، كما قال عز وجل: ﴿ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا ولا يظلم ربك أحدًا﴾. سبحان الله، بعد مئات السنين التي لا يعلمها إلا الله يجدونه حاضراً، لا يظلم ربك أحداً، ﴿وكل صغير وكبير مستطر ﴾، كل صغير وكبير مما يحدث في هذا الكون من المخلوقات، وأوصافها، وأعمالها، ﴿مستطر ﴾، أي: مسطر في الكتاب العزيز، اللوح المحفوظ، كل صغير وكبير حتى الشوكة يشاكها الإنسان تكتب، حتى ما يزن مثقال ذرة من الأعمال يكتب، كل صغير وكبير، وإذا آمنت بذلك ويجب عليك أن تؤمن به، فإنه يجب عليك الحذر من المخالفة، فإياك أن تخالف بقولك، أو فعلك، أو تركك، لأن


الصفحة التالية
Icon