الإعراض وبين الإنكار باللسان، ﴿يعرضوا﴾ أي: بقلوبهم وأبدانهم، ويقولوا بألسنتهم: ﴿سحر مستمر ﴾، أي: هذا سحر، والسحر لا يؤثر في قلب الأعيان، ولكن يؤثر في رؤية الأعيان، والدليل أن موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى السحرة سحرهم، كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى حية، وانقلب الوادي كله حيات تسعى، حتى إن موسى أوجس في نفسه خيفة من هول ما رأى، لكن هذه الحبال والعصي لم تنقلب إلى حيات، لكن حسب نظر الرائي أنها حيات، فهم يقولون: سحرنا محمد حتى كانت أعيننا ترى القمر وهو واحد تراه فرقتين ﴿ويقولوا سحر مستمر ﴾ مستمر، قيل: إن المعنى زائل ذاهب من مر بالشيء إذا تجاوزه، يقولون: هذا سحر ولن يستقر ولا قرار له، وقيل: مستمر يعني أن كل الآيات التي يأتي بها سحر، أي مستمر من مرار الشيء ودوام الشيء، وأيًّا كان فإنهم أنكروا وكذبوا، ولهذا قال تعالى: ﴿وكذبوا﴾، أي: كذبوا النبي ﷺ، وكذبوا بآياته، ﴿واتبعوا أهواءهم ﴾ أي: ما يريدون من الباطل ﴿وكل أمر مستقر ﴾، أي: كل أمر لابد له من قرار، فهؤلاء المكذبون قرارهم الذل والخسران في الدنيا، والنار في الآخرة، والنبي ﷺ ومن اتبعه أمرهم مستقر بالنصر والتأييد في الدنيا، والجنة في الآخرة، جعلنا الله منهم.
﴿ولقد جاءهم من الأَنباء ما فيه مزدجر ﴾ هذه الجملة فيها اللام وقد، وهما من أدوات التوكيد، وفيها قسم مقدر دلت عليه اللام في قوله: ﴿ولقد جاءهم﴾، وعليه فتكون هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات، القسم واللام وقد، والله سبحانه وتعالى صادق بغير توكيد لخبره، لكن هذا القرآن بلسان عربي مبين، واللسان العربي من بلاغته تأكيد الأشياء الهامة حتى تثبت وترسخ في الذهن، ﴿ولقد جاءهم﴾ أي: قريشاً جاءهم من الأنباء التي فيها رشدهم وصلاحهم وفلاحهم ﴿ما فيه مزدجر ﴾ أي: ازدجار عن الشرك والعصيان، ولكنهم لم ينتفعوا بذلك. ﴿حكمة بالغة﴾ يعني أن الأنباء التي جاءتهم حكمة، وهذا


الصفحة التالية
Icon