كقوله تعالى: ﴿وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة﴾ والحكمة هي تنزيل الشيء منزلته اللائقة به، ولا شك أن شريعة الله حكمة كلها ومطابقة لما فيه صلاح العباد في معاشهم ومعادهم، وقوله: ﴿بالغة﴾ أي: تامة واصلة إلى الغرض المقصود منها ﴿فما تغني النذر ﴾ (ما) يحتمل أن تكون نافية، يعني أن النذر لا تغنيهم شيئاً، ويحتمل أن تكون استفهاماً على وجه التوبيخ، يعني فأي شيء تغنيهم، وكلاهما صحيح، فالنذر لم تغنهم شيئاً، وإذا لم تغنهم هذه النذر المشتملة على حكمة بالغة فأي شيء يغنيهم؟ الجواب: لا شيء، لأنهم معاندون مستكبرون، لهذا قال - عز وجل -: ﴿فتول عنهم﴾، الخطاب للرسول ﷺ تول عن هؤلاء؛ لأنهم معاندون مستكبرون، سوف يأتيهم ما وُعدوا به، وسوف يتحقق لك ما وُعدت به، ويحسن أن يقف القارىء على قوله: ﴿فتول عنهم﴾ ثم يستأنف ويقول: ﴿يوم يدعو الداع إلى شيء نكر ﴾، لأن القارىء لو وصل لأوهم أن التولي يكون يوم يدع الداع، ومعلوم أن التولي في الدنيا وليس يوم يدع الداع، وقوله: ﴿يوم يدعو الداع﴾ ظرف، والظرف لابد له من عامل، كالجار والمجرور، لابد له من عامل، وكجميع المفعولات لابد لها من عامل، فما هو العامل؟ العامل قوله: يخرجون ﴿خشعاً أبصرهم يخرجون﴾ فهي متعلقة بـ(يخرجون) أي: سوف يأتيهم العذاب في ذلك الوقت يوم ﴿يخرجون من الأَجداث كأنهم جراد منتشر ﴾ وقوله: ﴿ يوم يدعو الداع إلى شيء نكر ﴾ هو داعي يوم القيامة ﴿إلى شيء نكر﴾ أي: منكر عظيم لشدة أهواله، فإنه لا شيء أنكر على النفوس من ذلك اليوم؛ لأنهم لم يشاهدوا له نظيراً ﴿خشعاً أبصارهم﴾ يعني أن أبصارهم خاشعة ذليلة، كما قال الله - عز وجل -: ﴿ينظرون من طرف خفي﴾ هم الآن مستكبرون رافعو رؤوسهم، يرون أن الناس تحتهم، وأنهم فوق الناس، لكن سيأتي اليوم الذي يكونون بالعكس ﴿خشعاً أبصرهم يخرجون من الأَجداث كأنهم جراد منتشر ﴾، الأجداث هي القبور، والجراد المنتشر هو المنبث في الأرض