الذي لا يدري أين وجهه ليس له طريق قائمة، لا يعرف كيف ينتهي، ولكنهم منتشرون، وهذا من أدق التشبيهات، لأن الجراد المنتشر تجده يذهب يميناً ويساراً لا يدري أين يذهب، فهم سيخرجون من الأجداث على هذا الوجه، بينما هم في الدنيا لهم قائد، ولهم أمير، ولهم موجِّه يعرفون طريقهم، وإن كان طريقاً فاسداً ﴿مهطعين إلى الداع﴾ يعني أنهم مسرعون خاضعو الأعناق، كالرجل إذا أسرع وركض تجده يقدم رأسه يخضعه، فهم يخرجون من الأجداث مهطعين إلى الداعي، أي مسرعين خافضو رؤوسهم من الفزع والهول والشدة ﴿يقول الكافرون هذا يوم عسر﴾ وتأمل قوله: ﴿يقول الكافرون ﴾ولم يقل: يقول الناس، لأن هذا اليوم العسر لا شك أنه في حد ذاته عسر شديد عظيم ولكنه على الكافرين عسير، وعلى المؤمنين يسير، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وكان يوماً على الكافرين عسيراً ﴾ وقال تعالى: ﴿على الكافرين غير يسير ﴾ وأما على المؤمنين فهو يسير، ولله الحمد جعلنا الله منهم.
ثم بدأ الله - عز وجل - بقصص الأنبياء على وجه مختصر في هذه السورة، لكنه مؤثر تأثيراً بالغاً، لو قرأتها بتمهل وتدبر لوجدت أنها مؤثرة جدًّا، كلمات مختصرة لكنها رادعة تماماً ﴿كذبت قبلهم قوم نوح﴾ ونوح هو أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض بدلالة القرآن والسنة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إنا أوحينآ إليك كما أوحينآ إلى نوح والنبيين من بعده﴾ وقال تعالى: ﴿ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب﴾ وبهذا نعرف أن ما ذكره بعض المؤرخين من أن إدريس هو الجد لنوح، كذب لا شك فيه، وليس قبل نوح رسول وفي حديث الشفاعة التصريح بأنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ()، ولذلك كان من عقيدتنا أن أول الرسل نوح، وأن آخر الأنبياء والرسل محمد ﷺ، ﴿كذبت قبلهم قوم نوح﴾ لم يفصل الله عز وجل هذا التكذيب، لكنه أنزل في ذلك سورة تامة وهي سورة نوح، فصل الله فيها تفصيلاً تامًّا في تكذيبهم


الصفحة التالية
Icon