وأخذهم، ﴿فكذبوا عبدنا﴾ وهو نوح وصفه الله بالعبودية، لأن العبودية أشرف ألقاب البشر، وهي التذلل لله بالطاعة والإنابة والتوكل وغير ذلك، والعبودية من حيث هي ثلاثة أنواع:
عبودية عامة: تشمل جميع الخلق، وهي التذلل للأمر الكوني كقوله تبارك وتعالى: ﴿إن كل من في السماوات والأَرض إلا آتى الرحمن عبداً ﴾. أي: ما كل من في السموات والأرض إلا هذه حاله: أنه آتي الرحمن عبداً، وهذه العبودية للأمر الكوني، لأن أمر الله عز وجل الكوني لا يمكن لأحد أن يفر منه، مهما كانت قوته.
النوع الثاني: العبودية الخاصة بالمؤمنين: مثل قوله تعالى: ﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الأَرض هوناً﴾ فهذه عامة لكل مؤمن.
الثالث: العبودية الخاصة بالأنبياء: وهذه مثل قوله تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً﴾. ﴿تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ﴾. ﴿الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب﴾. ومن ذلك هذه الآية: ﴿فكذبوا عبدنا ﴾.
وقد لبث فيهم نوح عليه الصلاة والسلام ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، لكنهم كلما دعاهم إلى الله ليغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا قوله، واستغشوا ثيابهم حتى لا يروه، ولا أبلغ من هذا الاستكبار أن يضع الإنسان يده في أذنيه حتى لا يسمع قول الداعي، وأن يستغشي ثوبه فيتغطى به حتى لا يراه ﴿وقالوا مجنون﴾ المجنون فاقد العقل الذي يهذي بما لا يدري قالوا: إنه مجنون، وهذه القولة قيلت لكل الرسل، قال الله تعالى: ﴿كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ﴾ و(أو) هنا إما للتنويع يعني بعضهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: مجنون، أو أنها للتنويع يعني بمعنى أن بعض المكذبين يقول ساحر، وبعضهم يقول: مجنون، أو أنهم يقولون هذا وهذا. ﴿وازدجر ﴾ أي: زجر زجراً شديداً، والزجر هو النهر بشدة وعنف، والدال هنا منقلبة عن تاء، وقد قال العلماء: إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، والمعنى: أنه زجرٌ شديدٌ، وقوله:


الصفحة التالية
Icon