﴿وازدجر ﴾ ينبغي ألا توصل بما قبلها، لأنك لو وصلت وقلت: ﴿وقالوا مجنون وازدجر ﴾ لتوهَّم السامع أنهم يقولون مجنون وازدجر، يعني زجره غيرنا، لكن المعنى خلاف ذلك، المعنى كذبوا وازدجروه، فإذن الأولَى أن تقف على قوله، ﴿وقالوا مجنون﴾ ثم تصل وتقول: ﴿وازدجر ﴾ فيكون هنا لم يقتصر هؤلاء المكذبون على أن كذبوا بل كذبوا وزجروا وتوعدوا وسخروا، ولما طال الأمد ﴿فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ﴾ الله أكبر، كلمتان ﴿أني مغلوب فانتصر ﴾ ولقد دعا أهلاً للإجابة - جل وعلا - فأجاب الله قال: ﴿ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ﴾، وفي قراءة (فتَّحْنَا) وكلاهما حق، وينبغي لمن علم القراءة الأخرى أن يقرأ بهذه تارة وهذه تارة، بشرط ألا يكون ذلك بحضرة العوام، لأن العوام لا ينبغي أن تقرأ عليهم قراءة خارجة عن المصحف الذي بأيديهم فتحدث لهم تشويشاً، وربما تهبط منزلة القرآن في نفوسهم، أو ينسبوك إلى الغلط والتحريف، لكن عند طلبة العلم وعند التعليم، أو بينك وبين نفسك ينبغي أن تقرأ بالقراءات الثابتة مرة بهذه ومرة بهذه، كما نقول هذا أيضاً في العبادات المتنوعة تفعل هذه مرة وهذه مرة، كالاستفتاحات ونحوها ﴿ففتحنا أبواب السماء﴾ كل باب في السماء انفتح ﴿بماء منهمر ﴾ أي: منصب صبًّا شديداً، فكان كأفواه القرب، ليس كالذرات المعروفة، بل أشد، ﴿وفجرنا الأَرض عيوناً﴾، أي عيوناً من المياه، وتأمل قوله تعالى: ﴿وفجرنا الأَرض عيوناً﴾ ولم يقل فجرنا عيون الأرض، كأن الأرض كلها كانت عيوناً متفجرة، حتى التنور الذي هو أبعد ما يكون عن الماء لحرارته ويبوسته صار يفور، كما قال الله - عز وجل -: ﴿حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور﴾ وفي هذا من الدلالة على قدرة الله تبارك وتعالى ما لا يخفى، وأن هذه الفيضانات التي تحدث إنما تحدث بأمر الله - عز وجل -، وليست كما قال الطبيعيون: إنها من الطبيعة، يقولون: هاجت الطبيعة، غضبت الطبيعة، وما أشبه ذلك نسأل الله العافية، بل هي


الصفحة التالية
Icon