بأمر من يقول للشيء كن فيكون، ﴿فالتقى الماء على أمر قد قدر ﴾ هنا ماءان: ماء نازل من السماء دل عليه قوله: ﴿ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ﴾ وماء من الأرض نابع دل عليه قوله:﴿وفجرنا الأَرض عيوناً﴾ فلماذا لم يقل فالتقى الماءان، لأن المراد ماء السماء وماء الأرض؟ قال العلماء: إنه أراد الجنس، لأن الجنس هنا واحد، ماء الأرض وماء السماء، أو يقال: لأنه لما كان المقصود بهذين الماءين شيئاً واحداً وهو عذابهم صح إفراده ﴿على أمر قد قدر ﴾ أي: على شيء قد قضاه الله تعالى وقدره في الأزل، فإنه ما من شيء يحدث إلا وهو مكتوب، قال الله تعالى: ﴿وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ﴾ يعني من أعمال بني آدم، ومما يقع في الأرض كل شيء محصى، ولهذا قال ﴿على أمر قد قدر﴾.
﴿وحملناه على ذات ألواح ودسر ﴾ أي: حملنا نوحاً وأهله إلا من سبق عليه القول منهم، وأمره الله تعالى أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين ومن آمن معه، وما آمن معه إلا قليل، حمله الله على ذات ألواح ودسر، يعني على سفينة ذات ألواح ودسر، وكان نوح عليه الصلاة والسلام يصنعها، فيمر به قومه ويسخرون منه قال الله عز وجل: ﴿ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم﴾ وهذه السفينة وصفها الله بأنها ذات ألواح، وألواح جمع منكر يدل على شيئين: الشيء الأول كثرة ألواحها، والثاني: عظمة هذه الألواح، ومتانتها، وحق لسفينة تحمل البشر على ظهرها أن تكون ذات ألواح عظيمة ﴿ودسر ﴾ أي: مسامير، وقيل: إن الدسر ما تربط به الأخشاب فيكون أعم من المسامير، لأن الأخشاب قد تربط بالمسامير وقد تربط بالحبال، فالمهم أن توثيق هذه الألواح بعضها ببعض كان قويًّا، وإنما ذكر الله سبحانه وتعالى مادة صنع السفينة، وأنها من الأخشاب والمسامير، أو الروابط التي تربط بين تلك الأخشاب؛ ليكون ذلك تعليماً للبشر أن يصنعوا


الصفحة التالية
Icon