بين حالهم من قبل فقال: ﴿إنهم كانوا قبل ذلك مترفين ﴾، وذلك في الدنيا، قد أترف الله أبدانهم، وهيأ لهم من نعيم البدن ما وصلوا فيه إلى حد الترف، لكن هذا لم ينفعهم - والعياذ بالله - ولم ينجهم من النار، ﴿وكانوا يصرون على الحنث العظيم ﴾، يصرون أي: يستمرون عليه، والحنث العظيم هو الشرك؛ لأن الأصل في الحنث الإثم، والعظيم هو الشرك، قال الله تعالى: ﴿إن الشرك لظلم عظيم ﴾ وكانوا أيضاً ينكرون البعث: ﴿وكانوا يقولون أءذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أءنا لمبعوثون أو ءابآؤنا الأَولون ﴾ ينكرون هذا إنكاراً عظيماً، يقولون: أإذا بليت عظامنا وصارت رفاتاً هل نبعث؟ وأيضاً هل يبعث آباؤنا الأولون؟ ولهذا يحتجون يقولون: ﴿ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين﴾، وهذه حجة باطلة؛ لأنه لا يقال لهم: إنكم ستبعثون اليوم، وإنما تبعثون يوم القيامة، فكيف تتحدون وتقولون هاتوا آباءنا؟ فاليوم الآخر ليس هو اليوم الحاضر حتى يتحدوا ويقولوا هاتوا آباءنا نقول: إن هذا يكون يوم القيامة، قال الله - عز وجل -: ﴿قل إن الأَولين والأَخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم﴾ الأولون من المخلوقين والآخرون كلهم سيبعثون في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، لا جبال ولا أشجار، ولا كروية بل تمد الأرض مسطحة، يرى أقصاهم كما يرى أدناهم، والآن لما كانت الأرض كروية فإن البعيد لا تراه؛ لأنه منخفض، لكن إذا كان يوم القيامة سطحت الأرض، وصارت كالأديم، أي: كالجلد الممدود، فيبعث الخلائق كلهم على هذا الصعيد، وقوله: ﴿إلى ميقات يوم معلوم ﴾ أي: عند الله - عز وجل - لقول الله: ﴿يسئلونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي﴾ ﴿ثم إنكم﴾ أي بعد البعث ﴿أيها الضآلون المكذبون ﴾ الضالون في العمل فهم لا يعملون، المكذبون للخبر فهم لا يصدقون - والعياذ بالله - ﴿لأَكلون من شجر من زقوم ﴾ أي: آكلون من شجر، وهذا الشجر نوعه من زقوم، كما تقول: خاتم من حديد، وباب من خشب، وجدار


الصفحة التالية
Icon