اللهم اجعلنا ممن ينظرون إليك في جنات النعيم ﴿ثلة من الأَولين ﴾ قيل: إن المراد بذلك الأمم السابقة ﴿وقليل من الأَخرين ﴾ يعني أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى هذا القول تكون قلة هذه الأمة باعتبار كثرة الأمم السابقة، وليس المعنى أن الذين يدخلون الجنة من الأمم السابقين باعتبار كل نبي أكثر من الذين يدخلون الجنة من هذه الأمة، وقيل: المراد بالأولين أول هذه الأمة، أي: ثلة من أول هذه الأمة، وقليل من آخرها، وهذا القول هو الصحيح، بل هو المتعين، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «إني أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة» () أي نصفهم، وفي حديث آخر: «إن أهل الجنة مائة وعشرون صفًّا منهم ثمانون من هذه الأمة» () وعلى هذا لا يصح أن نقول قليل من هذه الأمة، وكثير من الأمم السابقة، بل نقول: ثلة أي كثير من هذه الأمة من أولها، وقليل من آخرها، ﴿على سرر موضونة ﴾ سرر جمع سرير، وهو ما يتخذه الإنسان للجلوس والنوم، ﴿موضونة ﴾ قال العلماء: منسوجة من الذهب، ﴿متكئين عليها﴾ أي: معتمدين على أيديهم وعلى ظهورهم، فهم في راحة في اليد وفي الظهر ﴿متقابلين ﴾ أي: يقابل بعضهم بعضاً، وهذا يدل على سعة المكان، لأن المكان إذا كان ضيقاً لا يمكن أن يكون الناس متقابلين، وهذه الآية تدل على أن الأمكنة واسعة وهو كذلك، ولهذا كان أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه ألفي عام ()، ينظر أقصاه كما ينظر أدناه، والله على كل شيء قدير، والجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، ومن يحيط بسماء واحدة، كيف وهي عرض السماوات السبع، والسماوات السبع بعضها من فوق بعض؟! وكلما كان الشيء فوق كانت دائرته أوسع، فمن يحيط بهذا إلا الله - عز وجل -، إذن هم متقابلون لأن أمكنتهم واسعة، ولأن لديهم من كمال الأدب ما لا يمكن أن يستدبر أحدهم الآخر، كلهم مؤدبون، كلهم قلوب صافية، قال الله تعالى: ﴿ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين ﴾ ولهذا نهى


الصفحة التالية
Icon