النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن التدابر (). والتدابر يشمل التدابر القلبي بحيث يكون كل واحد متجه إلى وجه، والتدابر البدني إلا عند الحاجة أو الضرورة، وإلا فمتى أمكن التقابل فهو أفضل، فلو أن أحداً يكلمك وقد ولاَّك ظهره هل يكون سماعك له ومحبتك له كما لو كان يحدثك مستقبلاً إياك؟ وهذا شيء مشاهد معلوم، فأهل الجنة على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين، وفي حال الاتكاء ﴿يطوف عليهم ولدان مخلدون﴾ الولدان جمع ولد، أو جمع وليد: كغلمان جمع غلام ﴿يطوف عليهم﴾ يتردد عليهم، ﴿ولدان مخلدون ﴾ أي: خلقوا ليخلدوا، وهم غلمان شباب إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً، لجمالهم وصفائهم وكثرتهم وانتشارهم في أملاك أسيادهم، إذا رأيتهم أي: إذا رأيت الولدان، فإذا كان الولدان تحسبهم لؤلؤاً منثوراً، فكيف بالسادة؟ أعظم وأعظم ﴿يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين﴾ أكواب هي عبارة عن كؤوس لها عرى، والأباريق أيضاً أواني لها عرى ﴿وكأس من معين ﴾ ليس له عروة، قوله: ﴿من معين ﴾ أي: من خمر معين ﴿لا يصدعون عنها ولا ينزفون ﴾ يعني لا يوجع بها الرأس، ولا ينزف بها العقل، بخلاف خمر الدنيا فإنها تؤلم الرأس وتذهب العقل، ﴿وفاكهة﴾ معطوفة على قوله بأكواب، أي: ويطوف عليهم الولدان بفاكهة ﴿مما يتخيرون ﴾ لطيبها منظراً، وطيبها مشمًّا، وطيبها مأكلاً، وهذه الفاكهة طيبة في منظرها، وطيبة في رائحتها، وطيبة في مأكلها ومذاقها؛ لأن الله قال: ﴿مما يتخيرون ﴾ والإنسان لايعاف الشيء إلا لقبح منظره، أو لقبح رائحته، أو لقبح مأكله، والفاكهة في الجنة طيبة في لونها، وحجمها، وريحها، ومذاقها، وسبحان الله يؤتون بها متشابهة في اللون والحجم والرائحة، لكن في المذاق مختلفة، وهذا مما يزيد الإنسان فرحاً وسروراً وإيماناً بقدرة الله - عز وجل - ﴿ولحم طير مما يشتهون ﴾ أي: ويطوف عليهم هؤلاء الولدان بلحم طير، وذكر لحم الطير؛ لأن لحوم الطير أنعم


الصفحة التالية
Icon