والكلام القبيح لا يوجد في الجنة ﴿إلا قيلاً سلاما سلاما ﴾ الاستثناء هنا استثناء منقطع؛ لأن المستثنى من غير جنس المستثنى منه، فالسلام ليس من اللغو ولا من التأثيم، وعلامة الاستثناء المنقطع أن تجعل بدل ﴿إلا ﴾ (لكن) فيستقيم الكلام، وهنا لو قيل في غير القرآن: لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً ولكن قيلاً سلاماً سلاماً لاستقام الكلام. ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿فذكر إنمآ أنت مذكر لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأَكبر﴾ فالاستثناء هنا ﴿إلا من﴾ منقطع؛ لأن ما بعد ﴿إلا﴾ ليس من جنس ما قبلها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس بمصيطر لا على الكافرين ولا على غيرهم، فتكون ﴿إلا﴾ بمعنى لكن، ولهذا جاءت الفاء ﴿فيعذبه الله العذاب الأَكبر ﴾ وعليه لو أن قارئاً وقف على قوله تعالى: ﴿لست عليهم بمسيطر ﴾ فالوقف صحيح.
﴿سلاما سلاما ﴾ أي: إلا قول فيه السلامة وإدخال السرور والفرح بين أهل الجنة جعلنا الله منهم ﴿وأصحاب اليمين مآ أصحاب اليمين ﴾ هذه الطبقة الثانية وهي دون الأولى، والاستفهام في قوله: ﴿مآ أصحاب اليمين ﴾ استفهام تعجب وتفخيم، يعني: أي قوم هؤلاء؟! ﴿في سدر مخضود ﴾ السدر شجر معروف ظله بارد ومنشط، ولكن السدر الذي في الجنة ليس كالسدر الذي في الدنيا، الاسم واحد والمعنى مختلف، كما قال تعالى: ﴿فلا تعلم نفس مآ أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون ﴾ ولو كان ما في الجنة كالذي في الدنيا لكنا نعلم. والمخضود الذي لا شوك فيه ﴿وطلح منضود ﴾ الطلح قيل: إنه شجر الموز، والمنضود الذي ملىء ثمرة ﴿وظل ممدود ﴾ أي: لا نهاية له؛ لأن الجنة ليس فيها شمس بل هي ظل، وصفها بعض السلف بأنها كالنور الذي يكون قرب طلوع الشمس، تجد الأرض مملوءة نوراً ولكن لا تشاهد شمساً، فهو ظل ممدود في المساحة والزمن ﴿وماء مسكوب ﴾ أي: ماء مستمر دائماً، كما قال تعالى: ﴿فيهما عينان تجريان ﴾ وغير الماء أنهار أخرى من عسل


الصفحة التالية
Icon