تفسير سورة الحديد
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ تقدم الكلام عليها، ﴿سبح لله ما في السماوات والأَرض وهو العزيز الحكيم ﴾ معنى سبح أي نزه الله - عز وجل - عن كل عيب ونقص، وعن مماثلة المخلوقين، ودليل تنزهه عن كل عيب ونقص قول الله تبارك وتعالى: ﴿ولقد خلقنا السماوات والأَرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ﴾ واللغوب يعني التعب والإعياء، وهذا يدل على كمال قوته - عز وجل - وقال تعالى: ﴿أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ﴾ وقال تعالى: ﴿وما الله بغافل عما تعملون ﴾ فنزه الله تعالى نفسه عن الغفلة، وقال تعالى: ﴿وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأَرض إنه كان عليماً قديراً ﴾ فنزه نفسه عن العجز، ودليل تنزهه عن مماثلة المخلوقين، قوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ وأثبت الله لنفسه وجهاً في قوله تعالى: ﴿ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ﴾، وأثبت الله لنفسه أنه استوى على العرش، والإنسان يستوي على البعير، أي يركب البعير ويستقر عليه ويعلو عليه، ليس استواؤه سبحانه وتعالى على العرش كاستواء الإنسان على البعير، والدليل: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ فكل صفة يثبتها الله لنفسه وللمخلوق مثلها فإن ذلك موافقة للاسم فقط، أما في الحقيقة فليس كمثله شيء، مثال ذلك: أثبت الله لنفسه علماً، وأثبت للمخلوق علماً، فقال الله تعالى: ﴿فإن علمتموهن مؤمنات﴾ فأثبت الله لنا علماً، وأثبت لنفسه علماً ﴿علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم﴾ وليس العلم الذي أثبته لنفسه كعلم المخلوق والدليل قوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ فالله - عزوجل - لا يمكن أن يماثله شيء من المخلوقات لا في ذاته، ولا في صفاته، ولهذا لا يمكننا أن ندرك الله - عز وجل - نعلمه بآياته وصفاته وأفعاله، لكنا لا ندرك حقيقته - عز وجل - لأنه مهما قدرت من شيء فالله تعالى مخالف له غير مماثل،


الصفحة التالية
Icon