سراباً}. قوله تعالى: ﴿إن جهنم كانت مرصاداً. للطاغين مئاباً. لابثين فيها أحقاباً﴾ الطغيان مجاوزة الحد، وحد الإنسان مذكور في قوله تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾. [الذاريات: ٥٦]. فمن جاوز حده ولم يعبد الله فهو الطاغي، فجهنم كانت للطاغين مآبهم ومرجعهم وأنهم لابثون فيها أحقاباً. ﴿لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً﴾ نفى الله سبحانه وتعالى عنهم البرد الذي تبرد به ظواهر أبدانهم، والشراب الذي تبرد به أجوافهم. ﴿إلا حميماً وغساقاً﴾ الاستثناء هنا منقطع عند النحويين لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، والمعنى ليس لهم إلا هذا الحميم وهو الماء الحار المنتهي في الحرارة. ﴿يغاثون بماء كالمهل يشوي الوجوه﴾ [الكهف: ٢٩]. ﴿وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم﴾. [محمد: ١٥]. ﴿وغساقاً﴾ قال المفسرون: إن الغساق هو شراب منتن الرائحة شديد البرودة، فيجمع لهم ـ والعياذ بالله ـ بين الماء الحار الشديد الحرارة، والماء البارد الشديد البرودة ليذوقوا العذاب من الناحيتين: من ناحية الحرارة، ومن ناحية البرودة، بل إن بعض أهل التفسير قالوا: إن المراد بالغساق صديد أهل النار، وما يخرج من أجوافهم من النتن والعرق وغير ذلك. وعلى كل حال فالاية الكريمة تدل على أنهم لا يذوقون إلا هذا الشراب الذي يقطع أمعاءهم من حرارته، ويفطّر أكبادهم من برودته، نسأل الله العافية. وإذا اجتمعت هذه الأنواع من العذاب كان ذلك زيادة في مضاعفة العذاب عليهم. ﴿جزاء وفاقاً﴾ أي يجزون بذلك جزاء موافقاً لأعمالهم من غير أن يظلموا، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون﴾ [يونس: ٤٤]. فهذا الجزاء موافق مطابق لأعمالهم. ثم بين وجه الموافقة أي موافقة هذا العذاب للأعمال فقال: ﴿إنهم كانوا لا يرجون حساباً. وكذبوا بآياتنا كِذَّاباً﴾ فذكر انحرافهم في العقيدة وانحرافهم في القول، ﴿إنهم كانوا لا يرجون حساباً﴾ أي لا يؤملون أن


الصفحة التالية
Icon