إنساناً فكيف تكفر بالبعث؟ ولهذا قال: ﴿من نطفة خلقه﴾ والنطفة هي في الأصل الماء القليل، والمراد به هنا ماء الرجل الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب يلقيه في رحم المرأة فتحمل ﴿فقدره﴾ أي جعله مقدراً أطواراً: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، كما في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق فقال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها». فالإنسان مقدر في بطن أمه من الذي يقدره هذا التقدير؟ من الذي يوصل إليه ما ينمو به من الدم الذي يتصل به بواسطة السرة من دم أمه؟ إلا الله عز وجل، ولهذا قال: ﴿ثم السبيل يسره﴾ السبيل هنا بمعنى الطريق يعني يسر له الطريق ليخرج من بطن أمه إلى عالم المشاهدة، ويسر له أيضاً بعد ذلك ما ذكره تعالى في قوله: ﴿وهديناه النجدين﴾ [البلد: ١٠]. يسر له ثديي أمه يتغذى بهما، ويسر له بعد ذلك ما فتح له من خزائن الرزق، ويسر له فوق هذا كله وما هو أهم وهو طريق الهدى والفلاح وذلك بما أرسل إليه من الرسالات، وأنزل عليه من الكتب، ثم بعد هذا ﴿أماته﴾ الموت مفارقة الروح للبدن. ﴿فأقبره﴾ أي جعله في قبر، أي مدفوناً ستراً عليه وإكراماً واحتراماً؛ لأن البشر لو كانوا إذا ماتوا كسائر الميتات جثثاً ترمى في الزبال لكان في ذلك إهانة عظيمة للميت ولأهل الميت، ولكن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن شرع لعباده هذا الدفن، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله


الصفحة التالية
Icon