فالجواب: أولاً: أن أمور الاخرة لا تقاس بأمور الدنيا، لو أنها قيست بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصور كيف يكون، أليس الشمس تدنو يوم القيامة من رؤوس الناس على قدر ميل، والميل إما ميل المكحلة وهو نصف الإصبع أو ميل المسافة كيلو وثلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنه لو كانت الاخرة كالدنيا لشوت الناس شيًّا، لكن الاخرة لا تقاس بالدنيا. أيضاً يحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد، منهم من هو في ظلمة شديدة، ومنهم من هو في نور ﴿نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم﴾ [التحريم: ٨]. يحشرون في مكان واحد ويعرقون منهم من يصل العرق إلى كعبه، ومنهم من يصل إلى ركبتيته، ومنهم من يصل إلى حِقويه، ومع ذلك هم في مكان واحد. إذن أحوال الاخرة لا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا.
ثانياً: أن الله على كل شيء قدير. ها نحن الان نجد أن الشجر الأخضر توقد منه النار كما قال تعالى: ﴿الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون﴾ [يس: ٨٠]. الشجر الأخضر رَطِب، ومع ذلك إذا ضرب بعضه ببعض، أو ضرب بالزند انقدح خرج منه نار حارة يابسة، وهو رطب بارد، فالله على كل شيء قدير، فهم يسقون من عين آنية في النار ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل.
أما طعامهم فقال: ﴿ليس لهم طعام إلا من ضريع. لا يسمن ولا يغني من جوع﴾ الضريع قالوا: إنه شجر ذو شوك عظيم إذا يبس لا يرعاه ولا البهائم، وإن كان أخضر رعته الإبل ويسمى عندنا الشبرق. فهم ـ والعياذ بالله ـ في نار جهنم ليس لهم طعام إلا من هذا الضريع، ولكن لا تظن أن الضريع الذي في نار جهنم كالضريع الذي في الدنيا فهو يختلف عنه اختلافاً عظيماً، ولهذا قال: ﴿لا يسمن﴾ فلا ينفع الأبدان في ظاهرها ﴿ولا يغني من جوع﴾ فلا ينفعها في باطنها فهو لا خير فيه ليس فيه إلا الشوك، والتجرع العظيم، والمرارة، والرائحة المنتنة التي لا يستفيدون منها شيئاً.