واختلف المفسرون في تعيين هذه القرية ؛ والصواب أن المراد بها: بيت المقدس؛ لأن موسى قال لهم: ﴿ ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم﴾ [المائدة: ٢١] ؛ و﴿ القرية ﴾ هي البلد المسكون؛ مأخوذة من القرْي. وهو التجمع؛ وسميت البلاد المسكونة قرية لتجمع الناس بها؛ ومفهوم القرية في اللغة العربية غير مفهومها في العرف؛ لأن مفهوم القرية في العرف: البلد الصغير؛ وأما الكبير فيسمى مدينة؛ ولكنه في اللغة العربية. وهي لغة القرآن. لا فرق بين الصغير، والكبير؛ فقد سمى الله عزّ وجلّ مكة قرية، كما في قوله تعالى: ﴿وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم﴾ [محمد: ١٣] : المراد بقريته التي أخرجته: مكة، وقال تعالى: ﴿وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها﴾ [الشورى: ٧] : فسمى مكة أم القرى وهو شامل للبلاد الصغيرة، والكبيرة..
قوله تعالى: ﴿ فكلوا منها ﴾: الأمر للإباحة أي فأبحنا لكم أن تأكلوا منها؛ ﴿ حيث شئتم ﴾ أي في أي مكان كنتم من البلد في وسطها، أو أطرافها تأكلون ما تشاءون؛ ﴿ رغداً ﴾ أي طمأنينة، وهنيئاً لا أحد يعارضكم في ذلك، ولا يمانعكم..
قوله تعالى: ﴿ وادخلوا الباب ﴾ أي باب القرية؛ لأن القرى يجعل لها أبواب تحميها من الداخل، والخارج؛ ﴿ سجداً ﴾ منصوب على أنه حال من الواو في قوله تعالى: ﴿ ادخلوا ﴾ أي ساجدين؛ والمعنى: إذا دخلتم فاسجدوا شكراً لله؛ وعلى هذا فالحال ليست مقارنة لعاملها؛ بل هي متأخرة عنه..
قوله تعالى: ﴿ وقولوا حطة ﴾ أي قولوا هذه الكلمة: ﴿ حطة ﴾ أي احطط عنا ذنوبنا، وأوزارنا؛ فهي بمعنى قولوا: ربنا اغفر لنا؛ والمراد: اطلبوا المغفرة من الله سبحانه وتعالى إذا دخلتم، وسجدتم؛ و﴿ حطة ﴾ خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: سؤالنا حطة، أو حاجتنا حطة. أي أن تحط عنا ذنوبنا؛ والجملة من المبتدأ، والخبر في محل نصب مقول القول..