.﴿ ١١ ﴾ قوله تعالى: ﴿ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ﴾: القائل هنا مبهم للعموم. أي ليعم أيَّ قائل كان؛ و "الإفساد في الأرض" هو أن يسعى الإنسان فيها بالمعاصي. كما فسره بذلك السلف؛ لقوله تعالى: ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون﴾ [الروم: ٤١]
وقوله تعالى: ﴿ في الأرض ﴾: المراد الأرض نفسها؛ أو أهلها؛ أو كلاهما. وهو الأولى؛ أما إفساد الأرض نفسها: فإن المعاصي سبب للقحط، ونزع البركات، وحلول الآفات في الثمار، وغيرها، كما قال تعالى عن آل فرعون لما عصوا رسوله موسى عليه السلام: ﴿ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون﴾ [الأعراف: ١٣٠]، فهذا فساد في الأرض..
وأما الفساد في أهلها: فإن هؤلاء المنافقين يأتوا إلى اليهود، ويقولون لهم: ﴿لئن أخرجتم لنخرجنَّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم﴾ [الحشر: ١١] : فيزدادوا استعداءً للرسول ﷺ ومحاربة له؛ كذلك أيضاً من فسادهم في أهل الأرض: أنهم يعيشون بين المسلمين، ويأخذون أسرارهم، ويفشونها إلى أعدائهم؛ ومن فسادهم في أهل الأرض: أنهم يفتحون للناس باب الخيانة والتَقِيَّة، بحيث لا يكون الإنسان صريحاً واضحاً، وهذا من أخطر ما يكون في المجتمع..
قوله تعالى: ﴿ قالوا إنما نحن مصلحون ﴾؛ ﴿ إنما ﴾: أداة حصر؛ و﴿ نحن ﴾: مبتدأ؛ و﴿ مصلحون ﴾: خبر؛ والجملة اسمية؛ والجملة الاسمية تفيد الثبوت، والاستمرار؛ فكأنهم يقولون: ما حالنا إلا الإصلاح؛ يعني: أنه ليس فيهم إفساد مطلقاً..
ومن توفيق الله أنه لم يلهمهم، فيقولوا: إنما نحن المصلحون؛ فلو أنهم قالوا: "نحن المصلحون" كان مقتضاه أن لا مصلح غيرهم؛ لكنهم قالوا: ﴿ إنما نحن مصلحون ﴾ أي ما حالنا إلا إصلاح؛ ولم يدَّعوا أنهم المصلحون وحدهم..