كذلك في سورة الروم قال تعالى في أولها: ﴿الم * غلبت الروم﴾ [الروم: ١، ٢] ؛ فهذا الموضع أيضاً ليس فيه ذكر للقرآن؛ ولكن في السورة ذكر شيء من خصائص القرآن. وهو الإخبار عن المستقبل.: ﴿غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين﴾ [الروم: ٢. ٤)
وكذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾ [العنكبوت: ١، ٢] ليس فيها ذكر القرآن؛ ولكن فيها شيء من القصص الذي هو أحد خصائص القرآن: ﴿ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنَّ الله الذين صدقوا...﴾ (العنكبوت: ٣)
فهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره جمع من أهل العلم هو الراجح: أن الحكمة من هذا ظهور إعجاز القرآن في أبلغ صوره، حيث إن القرآن لم يأتِ بجديد من الحروف؛ ومع ذلك فإن أهل اللغة العربية عجزوا عن معارضته وهم البلغاء الفصحاء..
وقال بعضهم: إن الحكمة منها تنشيط السامعين؛ فإذا تلي القرآن، وقرئ قوله تعالى: ﴿ الم ﴾ كأنه تعالى يقول: أنصتوا؛ وذلك لأجل المشركين. حتى ينصتوا له...
ولكن هذا القول فيه نظر؛ لأنه لو كان كذلك لكان هذا في كل السور؛ مع أن أكثر السور غير مبتدئ بمثل هذه الحروف؛ وأيضاً لو كان كذلك ما صارت في السور المدنية. مثل سورة البقرة. ؛ لأن السور المدنية ليس فيها أحد يلغو في القرآن؛ فالصواب أن الحكمة من ذلك هو ظهور إعجاز القرآن..
.﴿ ٢ ﴾ قوله تعالى: ﴿ ذلك الكتاب ﴾: "ذا" اسم إشارة؛ واللام للبعد؛ فإذا كان المشار إليه بعيداً تأتي بهذه اللام التي نسميها "لام البعد"؛ أما الكاف فهي للخطاب؛ وهذه الكاف فيها ثلاث لغات:.
الأولى: مراعاة المخاطب؛ فإن كان مفرداً مذكراً فُتِحت؛ وإن كان مفرداً مؤنثاً كُسِرت، وإن كان مثنى قرنت بالميم، والألف: "ذلكما" ؛ وإن كان جمعاً مذكراً قرنت بالميم: "ذلكم"؛ وإن كان جمعاً مؤنثاً قرنت بالنون المشددة: "ذلكنَّ"؛ وهذه هي اللغة الفصحى..


الصفحة التالية
Icon