قوله تعالى: ﴿ بعوضة ﴾: عطف بيان لـ﴿ ما ﴾ أي: مثلاً بعوضة؛ والبعوضة معروفة؛ ويضرب بها المثل في الحقارة؛ وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية أن المشركين اعترضوا: كيف يضرب الله المثل بالذباب في قوله تبارك وتعالى: ﴿يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له﴾ [الحج: ٧٣] : قالوا: الذباب يذكره الله في مقام المحاجة! فبيَّن الله عزّ وجلّ أنه لا يستحيي من الحق حتى وإن ضرب المثل بالبعوضة، فما فوقها..
قوله تعالى: ﴿ فما فوقها ﴾: هل المراد بما فوق. أي فما فوقها في الحقارة، فيكون المعنى أدنى من البعوضة؛ أو فما فوقها في الارتفاع، فيكون المراد ما هو أعلى من البعوضة؟ فأيهما أعلى خلقة: الذباب، أو البعوضة؟ الجواب: الذباب أكبر، وأقوى. لا شك؛ لكن مع ذلك يمكن أن يكون معنى الآية: ﴿ فما فوقها ﴾ أي فما دونها؛ لأن الفوقية تكون للأدنى، وللأعلى، كما أن الوراء تكون للأمام، وللخلف، كما في قوله تعالى: ﴿وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً﴾ [الكهف: ٧٩] أي كان أمامهم..
قوله تعالى: ﴿ فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه ﴾ أي المثل الذي ضربه الله ﴿ الحق من ربهم ﴾، ويؤمنون به، ويرون أن فيه آيات بينات..
قوله تعالى: ﴿ وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً ﴾ لأنه لم يتبين لهم الحق لإعراضهم عنه، وقد قال الله تعالى: ﴿إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون﴾ (المطففين: ١٣، ١٤ )..
وقوله تعالى: ﴿ ماذا ﴾: "ما" هنا اسم استفهام مبتدأ؛ و "ذا" اسم موصول بمعنى "الذي" خبر المبتدأ. أي: ما الذي أراد الله بهذا مثلاً، كما قال ابن مالك:.


الصفحة التالية
Icon