والثالث: أنه يخلف بعضهم بعضاً؛ بمعنى: أنهم يتناسلون: هذا يموت، وهذا يحيى؛ وعلى هذا التفسير تكون ﴿ خليفة ﴾ صالحة لاسم الفاعل، واسم المفعول..
كل هذا محتمل؛ وكل هذا واقع؛ لكن قول الملائكة: ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ﴾ يرجح أنهم خليفة لمن سبقهم، وأنه كان على الأرض مخلوقات قبل ذلك تسفك الدماء، وتفسد فيها، فسألت الملائكة ربها عزّ وجلّ: ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ﴾ كما فعل من قبلهم. واستفهام الملائكة للاستطلاع، والاستعلام، وليس للاعتراض؛ قال تعالى: ﴿ إني أعلم ما لا تعلمون ﴾ يعني: وستتغير الحال؛ ولا تكون كالتي سبقت..
قوله تعالى: ﴿ ونحن نسبح ﴾ أي نُنَزِّه؛ والذي يُنَزَّه الله عنه شيئان؛ أولاً: النقص؛ والثاني: النقص في كماله؛ وزد ثالثاً إن شئت: مماثلة المخلوقين؛ كل هذا يُنَزَّه الله عنه؛ النقص: مطلقاً؛ يعني أن كل صفة نقص لا يمكن أن يوصف الله بها أبداً. لا وصفاً دائماً، ولا خبراً؛ والنقص في كماله: فلا يمكن أن يكون في كماله نقص؛ قدرته: لا يمكن أن يعتريها عجز؛ قوته: لا يمكن أن يعتريها ضعف؛ علمه: لا يمكن أن يعتريه نسيان... وهلم جراً؛ ولهذا قال عزّ وجلّ: ﴿ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب﴾ [ق: ٣٨] أي تعب، وإعياء؛ فهو عزّ وجلّ كامل الصفات لا يمكن أن يعتري كماله نقص؛ ومماثلة المخلوقين: هذه إن شئنا أفردناها بالذكر؛ لأن الله تعالى أفردها بالذكر، فقال: ﴿ليس كمثله شيء﴾ [الشورى: ١١]. وقال تعالى: ﴿وله المثل الأعلى﴾، وقال تعالى: ﴿ فلا تضربوا لله الأمثال ﴾ [النحل: ٧٤] ؛ وإن شئنا جعلناها داخلة في القسم الأول. النقص. لأن تمثيل الخالق بالمخلوق يعني النقص؛ بل المفاضلة بين الكامل والناقص تجعل الكامل ناقصاً، كما قال القائل:.


الصفحة التالية
Icon