فقوله تعالى: ﴿ والذين كفروا ﴾ أي كفروا بالله، فاستكبروا عن طاعته، ولم ينقادوا لها؛ ﴿ وكذبوا بآياتنا ﴾أي بالآية الشرعية؛ وإن انضاف إلى ذلك الآية الكونية زاد الأمر شدة؛ لكن المهم الآية الشرعية؛ لأن من المكذبين الكافرين من آمنوا بالآية الكونية دون الشرعية؛ فمثلاً كفار قريش مؤمنون بالآية الكونية مقرون بأن الله خالق السموات، والأرض، وأنه المحيي، وأنه المميت، وأنه المدبر لجميع الأمور؛ لكنهم كافرون بالآية الشرعية..
قوله تعالى: ﴿ أولئك ﴾ أي المذكورون؛ وأشار إليهم بإشارة البعيد لانحطاط رتبتهم لا ترفيعاً لهم، وتعلية لهم؛ ﴿ أصحاب النار ﴾ أي الملازمون لها؛ ولهذا لا تأتي "أصحاب النار" إلا في الكفار؛ لا تأتي في المؤمنين أبداً؛ لأن المراد الذين هم مصاحبون لها؛ والمصاحب لابد أن يلازم من صاحبه؛ ﴿ هم فيها خالدون ﴾ أي ماكثون؛ والمراد بذلك المكث، الدائم الأبدي؛ ودليل ذلك ثلاث آيات في كتاب الله؛ آية في النساء، وآية في الأحزاب، وآية في الجن؛ أما آية النساء فقوله تعالى: ﴿إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً * إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً﴾ [النساء: ١٦٨، ١٦٩] ؛ وأما آية الأحزاب فقوله تعالى: ﴿إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً * خالدين فيها أبداً﴾ [الأحزاب: ٦٤، ٦٥] ؛ وأما آية الجن فقوله تعالى: ﴿ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً﴾ [الجن: ٢٣]..
الفوائد:
. ١ من فوائد الآية: أن الذين جمعوا بين هذين الوصفين. الكفر، والتكذيب. هم أصحاب النار مخلدون فيها أبداً. كما سبق؛ فإن اتصفوا بأحدهما فقد دل الدليل على أن المكذب خالد في النار؛ وأما الكافر فمن كان كفره مخرجاً عن الملة فهو خالد في النار؛ ومن كان كفره لا يخرج من الملة فإنه غير مخلد في النار..
. ٢ ومنها: أن الله تعالى قد بين الحق بالآية التي تقطع الحجة، وتبين المحجة..