يقول الله عز وجل: ﴿لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين﴾ يعني ما كان الكفار من ﴿أهل الكتاب﴾ وهم اليهود والنصارى، سموا بذلك لأن صحفهم بقيت إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلّم مع ما فيها من التحريف والتبديل والتغيير، ولكن هم أهل الكتاب، فاليهود لهم التوراة، والنصارى لهم الإنجيل ﴿والمشركين﴾ المشركون هم عبدة الأوثان من كل جنس من بني إسرائيل ومن غيرهم، لم يكن هؤلاء ﴿منفكين﴾ أي تاركين لما هم عليه من الشرك والكفر ومنفكين عنه ﴿حتى تأتيهم البينة﴾ والبينة ما يبين به الحق في كل شيء، فكل شيء يبين به الحق فإنه يسمى بينة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «البينة على المدعي»، فكل ما بان به الحق فهو بينة، ويكون في كل شيء بحسبه، فما هي البينة التي ذكرها الله هنا؟ البينة قال ﴿رسول من الله﴾ وهذا الرسول هو النبي صلى الله عليه وسلّم محمد رسول الله ابن عبدالله الهاشمي القرشي صلوات الله وسلامه عليه، وجاء بصيغة النكرة ﴿رسول﴾ تعظيماً له؛ لأنه عليه الصلاة والسلام جدير بأن يعظم التعظيم اللائق به من غير نقص ولا غلو ﴿رسول من الله﴾ يعني أن الله أرسله إلى العالمين بشيراً ونذيراً، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وأرسلناك للناس رسولاً﴾ [النساء: ٧٩]. وقال: ﴿تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً﴾ [الفرقان: ١]. فهو محمد عليه الصلاة والسلام مرسل من عند الله بواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام؛ لأن جبريل هو رسول رب العالمين إلى رسله موكل بالوحي ينزل به على من شاء الله من عباده. ﴿يتلو صحفاً مطهرة﴾ يعني يقرأ لنفسه وللناس، ﴿صحفاً﴾ جمع صحيفة وهي الورقة أو اللوح أو ما أشبه ذلك مما يكتب به ﴿مطهرة﴾ أي منقاة من الشرك، ومن رذائل الأخلاق، ومن كل ما يسوء، لأنها نزيهة مقدسة ﴿فيها﴾ أي في هذه الصحف ﴿كتب قيمة﴾ كتب: أي مكتوبات قيمة، فكتب جمع كتاب، بمعنى مكتوب، والمعنى أن في هذه الصحف مكتوبات قيمة كتبها


الصفحة التالية
Icon