فالجواب: أن قيماً نَكِرة والكتاب معرفة ولا يمكن أن توصف المعرفة بالنَّكِرَة، ومعنى ﴿قيما﴾ أي: مستقيماً غايةَ الاستقامة، وهنا ذَكَرَ نَفْيَ العيبِ أولاً ثم إثباتَ الكمال ثانياً. وهكذا ينبغي أن تُخلي المكان من الأذى ثم تَضع الكمال؛ ولهذا يقال: "التخلية قبل التحلية"، يعني قبل أن تُحلِّي الشيء أخلِ المكان عمَّا ينافي التحلي ثم حَلِّه، وفي قوله تعالى: ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (١) قيما). تنبيه. وهو أنه يجب الوقوف على قوله: { وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ﴾ لأنك لو وصلت لصار في الكلام تناقضٌ، إذ يوهمُ أن المعنى لم يكن له عوج قَيِّم.
ثم بيَّن تعالى الحكمة من إنْزال القرآن في قوله(لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حسانا )
الضمير في قوله: ﴿لينذر ﴾ يحتملُ أن يكون عائداً على ﴿عبده ﴾ ويحتملُ أن يكون عائداً على ﴿ الكتاب﴾ وكلاهما صحيح، فالكتاب نَزل على الرسول ﷺ لأجل أن يُنذِر به، والكتاب نفسُه مُنذِر، ينذر الناس.
( بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ) أي من قِبَلِ الله، والبأس هو العذاب، كما قال تعالى:(فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ)(لأعراف: من الآية٤)، يعني عذابنا، والإنذار: هو الإخبار بما يُخَوِّف.
( وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ )التبشير: الإخبار بما يسر، وهنا نجد أنه حُذِف المَفعول في قوله: ﴿لِيُنْذِر ﴾ وذكر المفعول في قوله: ﴿ وَيُبَشِّر﴾، فكيف نقدر المفعول بـ"ينذر"؟
الجواب: نُقدِّرُه في مقابل من يُبَشَّر وهم المؤمنون فيكون تقديره "الكافرين"، وهذه فائدة من فوائد علم التفسير: أنّ الشيء يعرَف بذكر قبيله المقابل له، ومنه قوله تعالى: ﴿ فأنفروا ثباتا أو أنفروا جميعاً﴾ [النساء: ٧١]. ﴿ثبات ﴾ : يعني "متفرقين" والدليل ذكر المقابل له(أو أنفروا جميعاً)