ذلك مما يعد عيباً، وقوله: ﴿ولا تلمزوا أنفسكم ﴾ فسَّر بمعنيين:
المعنى الأول: لا يلمز بعضكم بعضاً، لأن كل واحد منا بمنزلة نفس الإنسان، أخوك بمنزلة نفسك، فإذا لمزته فكأنما لمزت نفسك.
والمعنى الثاني: إن المعنى لا تلمز أخاك، لأنك إذا لمزته لمزك، فلمزك إياه سبب لكونه يلمزك، وحينئذ تكون كأنك لمزت نفسك، وعليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من لعن والديه» فقالوا: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: «يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه» () وعلى كل حال في الآية تحريم عيب المؤمنين بعضهم بعضاً، فلا يجوز لك أن تعيب أخاك بصفة خَلْقية أو صفة خُلُقية، أما الصفة الخَلْقية التي تعود إلى الخلقة فإن عيبك إياه في الحقيقة عيب لخالقه - عز وجل - فالذي خلق الإنسان هو الله عز وجل، والذي جعله على هذه الصفة هو الله عز وجل، والإنسان لا يمكن أن يكمل خِلقته فيكون الطويل قصيراً، أو القصير طويلاً، أو القبيح جميلاً، أو الجميل قبيحاً؟ فأنت إذا لمزت إنساناً وعبته في خلقته فقد عبت الخالق في الواقع، ولهذا لو وجدنا جداراً مبنيًّا مائلاً وعبنا الجدار فعيبنا لباني الجدار، إذن إذا عبت إنساناً في خلقته فكأنما عبت الخالق - عز وجل - فالمسألة خطيرة، أما عيبه بالخُلُق بأن يكون هذا الرجل سريع الغضب، شديد الانتقام، بذيء اللسان، فلا تعبه؛ لأنه ربما إذا عبته ابتلاك الله بنفس العيب، ولهذا جاء في الأثر: «لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك» () لكن إذا وجدت فيه سوء خُلُق فالواجب النصيحة، أن تتصل به إن كان يمكن الاتصال به، وتبين له ما كان به من عيب، أو أن تكتب له كتاباً: رسالة باسمك أو باسم ناصح مثلاً، ﴿ولا تنابزوا بالأَلقاب ﴾ يعني لا ينبز بعضكم بعضاً باللقب، فتقول له مثلاً: يا فاسق، يا فاجر، يا كافر، يا شارب الخمر، يا سارق، يا زاني، لا تفعل هذا؛ لأنك إذا نبزته باللقب فإما أن يكون اللقب فيه، وإما أن