لكن نعود مرة أخرى إلى القرآن فيما وضع من ضوابط عامة للأمم.. تعلم أن القرآن وضع النصوص الخاصة فيما يتصل بقواعد الصلاة وصوم رمضان والحج، وهذه عبادات كلها، لا تتطور ولا تتبدل مهما تغير الزمن، لكن فى الشورى مثلا، لم يقترح نظاما خاصا أو يحدد شكلا معينا.. الشورى كقيمة لابد منها.. لكن كيف تنفذ؟ حتى فى هذا العصر الحاضر، نجد فى الدول الحرة ـ كما تسمى نفسها ـ ليس للديمقراطية شكل خاص يشيع بين الجميع.. فالولايات المتحدة نظامها رئاسى، والسلطة التنفيذية فيها تنكمش أحيانا أمام السلطة التشريعية، فلا يملك رئيس الدولة وهو رئيس السلطة التنفيذية، أو يعين رجاله إلا بإذنها.. بينما الديمقراطية الغربية ليبرالية ملكية، فيها ملك أو ملكة تملك ولا تحكم. فالنظام الديمقراطى فى إنجلترا مخالف تماما للنظام الديمقراطى فى الولايات المتحدة.. النظام الديمقراطى فى فرنسا يجعل انتخاب رئيس الجمهورية من حق الشعب بينما هو فى إيطاليا من حق مجلس النواب والشيوخ. فطبيعة هذه النظم تختلف.. والمهم أن مصلحة الجمهور هنا قد تكون غير مصلحة الجمهور هناك.. أو ضوابط الحرية هنا قد تكون محتاجة إلى وسائل غير الوسائل التى تحتاجها الحرية فى بلد آخر.. وعلى هذا، فهذه التفاصيل متروكة للناس وللزمان، وما لأحد أن يرى أن ما عنده أو ما يعرضه هو الصورة الوحيدة التى يتعبد بها أو تتحقق بها المصلحة العامة. هذا بالنسبة للشورى، أما بالنسبة للعدالة الاجتماعية فإن الأمر قد يحتاج إلى ما هو أدق: هل تقيد الملكيات أو تطلق؟ هل تقيد الإجارات أو تطلق؟ أى: ما مدى تدخل الدولة فى حريات الأفراد الاقتصادية؟ وهذه أيضا مسألة متروكة لما يقوله القائل عندنا: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور.. فقد نرى التقييد فى ظرف، ونرفضه فى ظرف آخر، كما حدث فى إنجلترا: حزب العمال أمم المرافق العامة كلها، وجاء حزب المحافظين فرفض هذا الإجراء وبدأ يبيع القطاع العام، واستطاعت


الصفحة التالية
Icon