" الحكمة " هى: أن أحدث الناس بما يطيقون، فقد جاء فى هذا الموضوع حديثان: أما الحديث الأول: " حدثو الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذب الله ورسوله ". وأما الآخر فهو: " إنك ما حدثت قوما بحديث لم تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة " وهذا يقتضى أن ننظر إلى حقائق الإسلام كلها، بعد جمعها فى صعيد واحد، وهى شبكة من التعليمات تتصل بالفرد والجماعة والدولة. ثم: من الذين نخاطبهم؟ وما ظروفهم؟ وما أحوالهم التاريخية، والاقتصادية، والاجتماعية والحضارية.. الخ؟ فيكون المتحدث لبقا بحيث ينزل تعاليم الإسلام وفق حاجات الناس وما يمكن أن تصلحه هذه التعاليم من أوضاعهم. وقد لاحظت أن عددا كبيرا من المسلمين يدخلون الآن ميدان الدعوة والإصلاح بأمور عقائدية من النوع الذى ثار الجدل حوله قديما. وأذكر أنى لقيت شخصا ذاهبا إلى مسجد، قلت له: إلى أين؟ قال: لأحدث الناس فى المسجد وأهاجم هؤلاء الزائغين من الأشاعرة.. فقلت له: هل أدلك على أفضل من هذا؟ قال: وما أفضل من هذا؟.. قلت له: تستمسك بالمحكم الذى هو لب الكتاب وأساسه، وتبعد عن هذا المتشابه وعن الخوض فيه سلبا وإيجابا، هجوما، أو رد عدوان.. لأن الله وصف آياته المحكمة :( هن أم الكتاب). فإذا كانت الأمة فى أحوالها العامة مضطربة سقيمة، فما الذى يجعلك تذهب إلى أمور يحار العقل البشرى فى إدراك كنهها، لتبدأ الإصلاح من هناك؟ وإلا يبدو أنك ستزيد الأمة سقاما! وخير لك أن تعلم الناس ما يحتاجون إليه من الكتاب. وقد رأيت فعلا أن الخشوع فى الصلاة، وهو ركن وهو روح الصلاة، ما يلتفت الكثيرون إلى تعليمه أو التنبيه إليه، وتوفير أسباب وجوده فى الصلاة، بقدر ما نرى الكلام عن قضايا نواقض الوضوء، وكيفيات الوقوف فى الصلاة.. لقد تحولت أركان الإسلام بهذا إلى مجرد أشكال تتحرك، وأصبحت شئونه الكبرى تائهة مع هذا الغثاء الطافى فوق أفكار المتحدثين عنه. ص _١٢٠