أي أن ما يلمح من قصة بعث معاذ هو تدرج تربوى وتعليمى مع أهمية الاحتفاظ بالقضايا الجوهرية؟ هو يشبه التدرج فى قصة إبراهيم عندما أراد أن يعلم عبدة الكواكب أن الله واحد، فتدرج معهم فى أن تمثل الألوهية فى النجم ثم أبطلها.. وتمثلها فى القمر ثم أبطلها.. وتمثلها فى الشمس ثم أبطلها.. ثم انتهى إلى أن خالق هؤلاء جميعا هو الله سبحانه وتعالى.. هذا نوع من التعليم بطريق التدرج. والقرآن نفسه، يلمح فيه هذا التدرج التربوى والتعليمى. فقد كان لابد أن ينزل القرآن مدرجا.. فالتدريج كان لابد منه لتربية الناس.. لأن الأمة تخضع للسنن الطبيعية فى صياغتها وبنائها، والتدرج من الأمور الطبيعية، لذلك لا يمكن أن نخضع لسنن خارقة لأن ذلك يحتاج إلى نبوة وإعجاز.. هذا صحيح.. وأنا كنت أتصور أن العرب ناس فيهم سذاجة، أو أنهم بدو معرفتهم بالحياة محدودة، وأن الحروب قلما تكون بينهم، لكن تبين لى بعد ذلك أن أشنع الجرائم كانت موجودة فى قلب الصحراء، وفى المدن البدائية.. فالشذوذ الجنسى موجود الآن مع الحضارة الغربية المتقدمة جدا، لكن كان موجودا بطريقة غير عادية فى ديار لوط، فى قرى المؤتفكة، وهى قرى فى صحراء الأردن.. بخس المكاييل والموازين وحرص الإنسان على جشعه وأنانيته، كان موجودا أيضا فى قوم شعيب.. الكبرياء إلى حد الجبروت الذى نأخذه الآن على قادة الحضارة الغربية، وهى حضارة لم تر حرجا فى أن تهلك نحو مليون شخص فى اليابان بالقنبلة الذرية فى حرب إبادة لا تخضع لأى مقياس خلقى، من أجل الانتصار.. إنها أخذت الأخضر واليابس، والطفل والمرأة والرجل، هذا الكبرياء وهؤلاء الجبابرة وجدت نماذج لهم أيضا فى قوم عاد وقوم ثمود. فيبدو أن الطبيعة البشرية هى الطبيعة البشرية، مهما اختلفت الوسائل فى التنفيس عن الغرائز. وما أراه من ضراوة الشهوات اليوم، كان موجودا بين بعض القبائل العربية.. لكن المهم هو أنه خلال ربع قرن أمكن علاج النفس البشرية كلها من


الصفحة التالية
Icon