الحال التى استنكرها القرآن: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)، (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب): وهنا قضية، أعتقد أنه من المفيد التوقف عندها ولو قليلا، ذلك أن كثيرا من العاملين فى حقول الفكر والمعرفة، يظنون أن معادلة المسلمين الصعبة اليوم وأزمتهم الفكرية تتمثل فى غياب المنهج، ويجهدون أنفسهم بالبحث والدرس، وتقليب الأمر على وجوه كثيرة، وقد يكون من ذلك التطلع إلى ما عند الآخرين! وفى تصوري: أن الأزمة التى لا نزال نعانى منها، ليست بافتقاد المنهج، فالمنهج (مصدر المعرفة) موجود، ومعصوم، ومختبر تاريخيا.. لكن المشكلة بافتقاد وسائل الفهم الصحيحة، وأدوات التوصيل، وكيفية التعامل مع القرآن.. أى: منهج فهم القرآن والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)، ويقول :(وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) والرسول ـ ﷺ ـ يقول: " لو أن موسى كان فيكم حيا ما وسعه إلا أن يتبعنى"، وذلك عندما تطلع بعض الصحابة إلى تحصيل المعرفة من التوراة. ونخشى عند التساهل والقبول بأن الأزمة التى تعانى منها أزمة منهج، وليست أزمة فهم للقرآن الذى هو مصدر للمعرفة، عندها قد ينأى بنا السير إلى السقوط فى التعامل مع مناهج أخرى، والافتتان عما نزل إلينا، أو بعضه: ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك). لذلك، لابد أن نقرر: بأن الأزمة أزمة فهم، وأزمة تعامل، وأزمة أمية عقلية، صرنا إليها بذهاب العلم (مناهج الفهم) و (وسائل المعرفة). والجهود، فيما نرى اليوم، يجب أن تنصب على منهج الفهم، وإعادة فحص واختبار المناهج القائمة التى أورثتنا ما نحن عليه، والتحرر من تقديس الأبنية ص _٠١٥