الفكرية الاجتهادية السابقة التى انحدرت إلينا من موروثات الآباء والأجداد والمناخ الثقافى الذى يحيط بنا منذ الطفولة، ويتسرب إلى عقولنا فيشكلها بطريقة التفاعل الاجتماعى، الأمر الذى أدى إلى انكماش الفكر والرؤية القرآنية فى واقع حياتنا، وتحول القرآن من مراكز الحضارة وصناعة الحياة، إلى الركود والتحنط فى بطون التاريخ التى تشكلت فى عصور التخلف والتقليد والتى حالت دون إدراك أبعاد النص القرآنى، والقدرة على تعديته للزمان والمكان، وذلك أن الصورة التى طبعت فى أذهاننا، فى مراحل الطفولة، للقرآن أنه: لا يستدعى للحضور إلا فى حالات الاحتضار والنزع، والوفاة، أو عند زيارة المقابر، أو نلجأ لقراءته عند أصحاب الأمراض المستعصية، وهى قراءات لا تتجاوز الشفاه. ولذلك، اقترنت الصورة الموروثة للقراءة بحالات من الخوف والاكتئاب، ينفر منها الإنسان، ويستعيذ بالله من سماعها.. فإذا تجاوزنا مؤسسات الأمية والعامية التى تشكلت من خلالها تلك الصورة المفزعة للقرآن، إلى مراكز ودروس تعليم القرآن الكريم، رأينا أن الطريقة التى يعلم بها يصعب معها استحضار واصطحاب التدبر والتذكر والنظر، إن لم يكن مستحيلا.. فالجهد كله ينصرف إلى ضوابط الشكل من أحكام التجويد ومخارج الحروف، وكأننا نعيش المنهج التربوى والتعليمى المعكوس.. فالإنسان، فى الدنيا كلها يقرأ ليتعلم، أما نحن فنتعلم لنقرأ! لأن الهم كله ينصرف إلى حسن الأداء.. وقد لا يجد الإنسان أثناء القراءة فرصة للانصراف إلى التدبر والتأمل، وغاية جهده إتقان الشكل.. وقد لا يعيب الناس عليه عدم إدراك المعنى قدر عيبهم عدم إتقان اللفظ! ولا أزال أذكر أننا وبعد عدة سنوات من التعليم، كان مدرس القرآن يراجع بعضنا فى تحسين النطق بأعوذ بالله من الشيطان الرجيم مفتتح القراءة. ونحن هنا لا نهون من أهمية ضبط الشكل، وحسن الإخراج، وسلامة المشافهة، لكننا ندعو إلى إعادة النظر بالطريقة، حتى نصل إلى مرحلة