التأمل والتفكر والتدبر التى تترافق مع القراءة، وقد يكون ذلك بأن نبدأ التلقين بالأداء الحسن ابتداء، مع التوجيه اللافت للنظر صوب المعنى، ولا نلتفت إلى ضبط الشكل إلا فى حالات التصويب، ولتكن حالات الاستثناء. ص _٠١٦
وقد يكون من أخطر الإصابات التى لحقت بالعقل المسلم فحالت بينه وبين التدبر، وكسر الأقفال، ووضع الأغلال والآصار، والتحقق بالفكر القرآنى والرؤية القرآنية الشاملة، والاغتراف منها لعلاج الحاضر، والامتداد صوب المستقبل، واعتماده مصدرا للمعرفة والبعث الحضارى، التوهم بأن الأ بنية الفكرية السابقة التى استمدت من القرآن فى العصور الأولى، هى نهاية المطاف، وأن إدراك أبعاد النص مرتهن بها، فى كل زمان ومكان، وما رافق ذلك من النهى عن القول فى القرآن بالرأى، وجعل الرأى دائما قرين الهوى، وسوء النية، وفساد القصد. وفى هذا ما فيه من محاصرة للنص القرآنى، وقصر فهمه على عصر معين، وعقل محكوم برؤية ذلك العصر، وحجر على العقل، وتخويف من التفكر، الأمر الذى يحول بين الإنسان والتدبر المطلوب إليه نص القرآن. هذا، علاوة على أن الاقتصار على هذا المنهج فى النقل والتلقى، يحاصر الخطاب القرآنى نفسه، ويقضى على امتداده وخلوده، وقدرته علي العطاء المتجدد للزمن، وإلغاء لبعده المكانى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)، ولبعده الزمانى: (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) وإلغاء التكليف القرآنى من السير فى الأرض، والنظر فى البواعث والعواقب، واستمرار النظر فى الأنفس والآفاق، والاكتشاف المستمر للسنن والقوانين، والتعامل معها فى ضوء العطاء العلمى، والكشوف البشرية فى إطار علوم الكون والحياة: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). ولعل ترسب هذه القناعة العجيبة الغريبة، هى من الأقفال الأولى التى يجب كسرها لينطلق الفهم من قيوده وأغلاله وآصاره، فيتحقق العقل بالرؤية القرآنية فى أبعاد الحياة


الصفحة التالية
Icon