المختلفة، وينضح معرفة وحضارة مستمدة من الوحى المعصوم، لأن هذه القناعة إذا استمرت سوف تلغى الحاضر والمستقبل معا، وتسقط عن القرآن صفة الخلود الزمانى، والامتداد المكانى. ومن المفارقات العجيبة حقا للعقل المسلم جرأته على إلغاء التكليف القرآنى بالنظر والتدبر وإسقاطه باجتهاد بشرى، وذلك لعدم إدراكه للنص النبوى ـ البيان القرآنى ـ ص _٠١٧
الذى يقرر: أنها قد تتأتى فهوم مستقبلية أكثر وعيا وإدراكا للنص القرآنى: " بلغوا عنى ولو آية "، " فرب مبلغ أوعى من سامع "، " فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه "... ونحن بهذا، لا ندعو إلى القفز فوق الفهوم التاريخية للقرآن، وهذا الميراث الثقافى الذى يعتبر مفخرة من مفاخر الفكر، والاغتراف من القرآن مباشرة، بمؤهلات وبدون مؤهلات، وإنما نريد أن نحرر العقل من قيوده حيث حرم عليه النظر، وندعو إلى النظر الذى لا يتحقق ولا يتأتى، ولا يستحق أن يسمى نظرا إذا تجاهل الفهوم السابقة، ولعل من أبسط مستلزماته: اصطحاب الاجتهادات السابقة، ولكن لا نقتصر عليها، فلكل عصر رؤيته، فى ضوء مشكلاته ومعطياته. إن الدعوة إلى محاصرة العقل، والحجر عليه، وقصر الفهم والإدراك والتدبر على فهوم السابقين، هو الذى ساهم بقدر كبير فى الانصراف عن تدبر القرآن، وأقام الحواجز النفسية المخيفة التى حالت دون النظر، وأبقى الأقفال على القلوب، وصار القرآن تناغيم، وترانيم. وبدل أن يكون الميراث الثقافى وسيلة تسهل الفهم، وتغنى الرؤية، وتعين على التدبر، أصبح ـ من بعض الوجوه ـ عائقا يحول دون هذا كله... وشيئا فشيئا، تتحول القدسية من القرآن إلى السنة، فنجعل السنة حاكمة على القرآن، ومن ثم انتقلت القدسية لفهوم البشر، وبقى الكتاب والسنة للتبرك. فالمشكلة المستعصية فى اختلاط قداسة النص ببشرية التفسير والاجتهاد لذلك النص، وإدراك مرماه، حيث عُد رأى الشيخ أو المتبوع فى تفسير نص ما أو فهمه، هو الأمر الوحيد، والممكن،


الصفحة التالية
Icon