وباستقراء أحوال الحكومات كلها، منذ بدء العالم إلى الآن، وباستقراء أحوال الفقه الإسلامى وأحكامه، ما وجدت أحدا قال: إن القصاص أو الحدود يقوم بها الشعب.. بل الذى جاء فى السنن: أن من ارتكب جريمة كالزنا، ولم ينكشف، فإن له أن يتوب منها، وليس له أن يكشف عن نفسه، بل يحترم ستر الله الذى أسدل عليه ويتوب إلى الله، وليس لأحد أن يبحث أو أن يجرى وراء هذا أو ذاك ليتعرف إذا كان الناس ارتكبت جرائم أو لا.. وحديث عبادة بن الصامت فى هذا واضح: " ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه ".. وفى مسألة التوبة، أرى أن كلام ابن تيمية فى فتاواه أدق، وهو: قبول التوبة.. والتوبة مسألة بين الإنسان وربه.. دخول الغوغاء فى هذا مستحيل.. الجهاد وظيفة للأمة.. والفرد ليس له إلا أن يقدم نفسه ليكون فردا يتلقى الأوامر. أما عملية الجهاد، تمويلها، تقوم به الأمة، صنع الأجهزة فى البر والبحر والجو، تقوم به الدولة.. وما يتصل بالجهاد كله، ليس قطاعا خاصا.. هذا شىء يتصل بالدولة المسلمة. يمكن أن نوضح هذا، فنقول: هناك بعض الأحكام موجهة للدولة، وهناك بعض الأحكام موجهة للفرد، وتقع فى نطاقه.. وهناك أحكام لا يمكن أن يتصور إنفاذها إلا عند وجود دولة، أى سلطة.. لكن فى حال غياب الدولة، تتعطل بعض الأحكام، ولا يحق للأفراد بحال من الأحوال، أن يمارسوا سلطان الدولة. عندما يغيب سلطان الدولة، لسقوط الدولة الإسلامية، فإنه من الممكن أن يتواصى الناس بتكوين هيئة أو جهاز نائب مؤقت عن الدولة، ولا يترك الحكم للأفراد.. ص _١٣٧


الصفحة التالية
Icon