أنا قرأت الكتب التى تسمى سماوية، فوجدت أنها ينبغى أن تلقى فى أماكن القمامة.. ليس فيها شىء.. وكذلك الأمر بالنسبة لكثير من الفلسفات، فأنا أظلم دينى وكتابى عندما أرى هؤلاء فعلوا شيئا، بالنسبة لما عندنا.. وأظن أن كلمة ابن حزم رحمه الله، التى يقول فيها: إن لكل مسلم الحق فى طعام وشراب ولباس وبيت يقيه من الشمس وعيون المارة.. وأن هذا حق يقاتل عنه، ما أظن اشتراكيا فى أوروبا قال هذا الكلام.. ولو قاله واحد من الاشتراكيين بهذا التحديد، لاشتريت كلماته بالذهب هناك، كما يقولون. الكلمة عندنا ـ وأمور أخرى كثيرة ـ أهيل عليها التراب، لسطوة الحكم الفردى!! الاستبداد السياسي ووسائل التغيير فى الخطاب القرآنى قلتم: إن السبب الرئيسى لمعظم المشكلات التى نعانى منها نحن المسلمين: فساد الحكم، أو الاستبداد السياسى الذى أتى بدوره على قدرة الأمة على الامتداد فى مختلف المجالات.. وهذا صحيح من الناحية الواقعية، إلى حد بعيد.. لكن الشىء الذى يشغل البال حقيقة هو قدرة الحكم على غلبة الأمة ـ الجماهير ـ على امتدادها! كيف؟ لاشك أن ذلك إنما يكون بسبب وجود القابليات عند الأمة لهذا النوع من الاستبداد السياسى! فلولا هذه القابلية لما امتد الاستبداد "فكما تكونوا يولى عليكم " والأمر المحير: أن الأمة التى لها هذا الميراث الثقافى، وهذه القيم الهادية، إضافة إلى تجربة الخلافة الراشدة، وما إلى ذلك، يستطيع ـ وبسهولة ـ فرد، أو نظام، أو طبقة، أو مجموعة، أو عشيرة، أو قبيلة، أن تلغى دور الأمة! هذه قضية ملفتة، خاصة والدراسات الحديثة تجعل التاريخ من صنع الأمم وليس من صناعة الأفراد.. وهو كذلك حقيقة، لأن الأفراد فى نهاية المطاف ينشأون فى مناخ الأمة الثقافى وظرفها الاجتماعى.. ص _١٥٥
إن أمة يستأثر بها حاكم، أو ظالم أو مستبد، أمة لا يوثق بها أصلا أن تكون قابلة للحياة والامتداد وصناعة حضارة.


الصفحة التالية
Icon