والتغيير يشمل كل الجوانب ـ النفسية والثقافية ـ التى فيها إعادة تشكيل الإنسان.. بينما لم يطل فى القضية السياسية ويعطيها البعد أو الحجم نفسه، واعتبرها ثمرة وليست مقدمة.. فكوننا نعطى الأهمية الكبرى للاستبداد السياسى على حساب موطن التغيير الأساسى وهو ميدان النفس، فكأننا ـ نحن المسلمين ـ افتقدنا ضبط النسب أو التوازن فى النظر للقضايا! بعضهم يرى القضية السياسية أهم من القضية الثقافية، وبعضهم يرى القضية الثقافية أهم من السياسية... وهكذا. عندما تحدث القرآن الكريم عن الأمة، تحدث عن فسادها وانهيارها بشيوع أخلاق معينة، وبانقسامها إلى طبقات سيدة وطبقات تابعة، وبإصابتها بالتبلد العقلى الذى يجعل التقليد أساس الفكر.. لقد كان تعاملنا مع القرآن تعاملا رديئا.. لقد كان من الأفضل بدل أن يدرس الوضوء خلال ثلاثة شهور مثلا، أن يدرس: لماذا هلكت عاد؟ لماذا هلكت ثمود؟ هل المجتمع الآن يشبه مجتمع عاد وثمود أم لا؟ ما الفساد الذى حدث فى بنى إسرائيل؟ كيف تحولت الحقيقة إلى شكل؟ كيف تحول الدين إلى انتماء عصرى بدل أن يكون انتماء إلهيا وزكاة نفسية؟ كل هذا كان ممكنا من خلال دراسة القصص القرآنى، لكننا أهملناه إهمالا تاما، وابتعدنا عنه كما ابتعدنا عن دراسة آيات النظر إلى الكون، فتبلدت العقول، وكان آخر شىء ينظر إليه النظر فى الكون. كنت أتحدث وأقول: إن الزكاة فرضت فى مكة.. فانتفض أحد شيوخ الإسلام وقال: لا، إن الزكاة فرضت فى المدينة.. أقول له: إن آية سورة الأنعام مكية، وفيها فى زكاة الزروع والثمار: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده. أقول له فى سورة فصلت وهى مكية، من أوائل ما نزل: وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ص _١٥٨


الصفحة التالية
Icon