وفى سورة المدثر وهى من أول ما نزل: (ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين). مع هذا، قال: لا.. الفقهاء قرروا أن الزكاة كانت فى المدينة! قلت : ربما تفاصيل الأنصبة: العشر، ونصف العشر.. إلخ، كل هذا كان فى المدينة لا فى مكة.. فأجد أنه حتى بعض الشيوخ الكبار المؤلفين، قد تجمدت عقولهم.. وكيف تجمد هكذا؟ أنا تحيرت.. وإلى الآن، فإن هذا الكلام الذى يقوله هذا الشيخ موجود فى أدمغة الشباب والناس الذين يأخذون الكلام كما يلقى عليهم. هذه القضية، هى ـ كما أسلفنا ـ نوع من إعطاء القدسية للآراء وإضفاء صفة الدين عليها، بينما هى آراء اجتهادية فى تنزيل النص على واقعة معينة. فإذا أخذت سمة الدين، وسمة النص النقلى، وسمة الوحى، أصبح صعبا التفكير بالخروج عليها أو مناقشتها.. لاحظت أيضا أن الرسول ـ ﷺ ـ حذرنا من اتباع اليهود والنصارى.. نحذر أن نكون كاليهود فى تجسيد الله، وكالنصارى فى بنوة المسيح.. لكن قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع " معنى هذا أن الأمة ستنحدر فى سلوكها.. والسلوك نتيجة الخلق ونتيجة المعرفة والثقافة.. ومع هذا، لم أر بحثا فى تتبعنا لليهود والنصارى، فى تفكيرنا، فى أخلاقنا، فى أعمالنا، بل ببساطة، انحدرنا وانتهى الأمر. استطعنا أن نقلدهم بانهيارهم، ولم نستطع أن نقلدهم بنهوضهم.. وانتقلت إلينا علل التدين، كان مقتضى ذلك أن تنتقل إلينا من هذه الأقوام أسباب النهوض! أعتقد أن ما حدث اليوم فى الأمة الإسلامية، هو ما حصل فى الأمم الأخرى تاريخيا.. والعقاب الإلهى: أن الله نزع قيادة البشرية من أيدى المتدينين ووضعها فى أيدى العلمانيين. وهو ما حدث فى العالم كله الآن: القيادات ليست للأديان، وإنما تستطيع بعض الديانات أن تستغل الجشع البشرى العادى فى النفوس لكى تعرض خدماتها لضرب الأمة الإسلامية لحساب الجشع العالمى فى النفوس البشرية. ص _١٥٩


الصفحة التالية
Icon