ويمكن أن نقول بأن العجز لحق أيضا بطريقة التعامل مع آيات الأحكام نفسها التى أخذت هذا الجهد، وتلك المساحة من الميراث الثقافى، وأصبحنا أتباعا مقلدين، غير قادرين ليس فقط على تجاوز فهم السابقين والامتداد بالآيات إلى آفاق إضافية، وإنما عاجزين أيضا عن الإتيان بمثال آخر غير ما جاء به الأقدمون، وهذا من أشنع حالات التقليد. وكما أن مناخ التقليد الجماعى جعلنا عاجزين عن الامتداد، ودون سوية التعامل مع القرآن، فكذلك أصبحنا ـ بذلك ـ دون سوية التعامل مع الواقع المعاصر، لأننا أوقفنا عطاء القرآن للزمن، وهو المتغير السريع، وحاولنا التفاهم معه بفهوم عصر آخر يختلف فى طبيعته، ومشكلاته، وعلاقاته، ومعارفه عن عصرنا، وأعطينا صفة القدسية والقدرة على الامتداد والخلود لاجتهاد البشر، ونزعنا صفة الخلود والامتداد عن القرآن، عمليا وإن كنا نرفضها نظريا، كما أسلفنا. وكلون من التعويض عن العجز فى الامتداد بالرؤية القرآنية، والتعامل مع العصر ـ الشهود الحضارى ـ ما نراه اليوم من التوسع فيما اصطلح على تسميته: "الإعجاز العلمى فى القرآن "، على الرغم من التحفظات على هذه التسمية لدى كثير من علماء المسلمين الذين يرون أن ميدان الإعجاز ليس المجال العلمى أصلا، فالعلم فى تقدم وتطور مستمر، وقد بلغ اليوم شأوا واسعا، وكلما تقدمت الأيام، وتراكمت المعارف، وتقدمت الحقيقة العلمية أكثر.. وخلود الرسالة يعنى، فيما يعنى، خلود المعجزة، وعدم قدرة الإنسان على الإتيان بمثلها فى كل زمان ومكان. وأظن أن تطبيق هذا فى مجال الإعجاز العلمى سيؤدي إلى كثير من المفارقات والتمحلات.. والقرآن كتاب هداية، وليس كتاب " تكنولوجيا ".. ولا أحد يستطيع أن ينكر أن القرآن عرض لبعض الحقائق العلمية، ولفت نظر الإنسان إليها ليحقق هدفه فى الهداية، وينبه الإنسان إلى وسائل التعمير وبناء الحضارة ويفتح طريق البحث العلمى أمام المسلمين، وإن كثيرا مما ذكر من الحقائق لم