النقد الأدبى، مثلا، هناك مناهج متعددة، وفى مجال التربية، والأخلاق، والتاريخ، والسياسة والاجتماع... إلخ، أصبح لكل علم أدواته وآلات فهمه، ولكل منهج خصائصه وشروطه وميزاته، ولكل معرفة وسيلتها التى توصل إليها. ص _٠٢١
ومن هنا نقول: إن منهج علماء الأصول، على دقته وعبقريته فى استنباط الحكم التشريعى من آيات الأحكام، لا يمكن أن يعتمد ليكون وسيلة علماء التاريخ والاجتماع، والسياسة.. الخ. بل بإمكاننا القول: إن هذا المنهج، على دقته، قد يكون مفسدا للنتائج والحقائق لو استعمل فى غير ميدانه الذى وضع له، على الرغم من بعض التلاقى والأدوات المشتركة أحيانا فى ميدان العلوم المتجانسة. والمطروح بإلحاح: كيف يمكن التعامل مع القرآن، وتدبر آياته، والإفادة من معطيات العلوم وآلات فهمها، ليكون القرآن مصدر المعرفة، وفلسفتها فى شعاب العلوم الاجتماعية جميعا؟ حيثما لابد لنا من العودة إلى القرآن كمصدر لمعارف الحياة، وفقه المعرفة والحضارة للقيام بدورنا بمسؤولية الشهادة على الناس، والقيادة لهم وإلحاق الرحمة بهم، واستئناف السير الذى توقف من عهد بعيد فى كثير من شعب المعرفة التى يمنحها القرآن. لذلك، كان لابد من طرح القضية، وتقليب وجهات النظر فى جوانبها المختلفة، فى محاولة لتحقيق الرؤية القرآنية الشاملة. وما نقدمه فى هذا الكتاب من "مدارسة" مع الشيخ الغزالى، نعتقد أنه عرض لمجموعة من الأمور المهمة، وقدم إضاءات جديدة على طريق بناء الفكر والثقافة القرآنية. ولا ندعى بأننا استطعنا بهذه "المدارسة" تقديم أو إنضاج منهج للتعامل مع القرآن، والخروج بالمسلمين من حالة الهجر التى أورثتهم الأزمات الفكرية، والتى يعانون منها، فالوصول إلى منهج لفهم القرآن بأبعاده ومحاوره المتعددة ليكون مصدرا للمعرفة، ليس بالأمر السهل الذى يمكن أن يتحقق بكتاب، أو حوار، أو مدارسة ولكننا نستطيع أن نقول بكل اطمئنان: إننا استطعنا تقديم آفاق، ومؤشرات،