تمهيد بقلم الشيخ الغزالى القرآن الكريم هو ما بقى من وحى فى هذه الدنيا، هو الكتاب الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) ما شانه نقص ولا شابته زيادة منذ نزل إلى يوم الناس هذا، فهو بحفظ الله مصون من أهواء الناس، و وساوس الجن والإنس...! وبقاء هذا القرآن هو العزاء الوحيد عن ضياع مواريث النبوات الأولى، لأنه استوعب زبدتها، وقدم فى هداياته خلاصة كافية لها، (إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى) فإذا اطلعت الأجيال المستأخرة على هذا القرآن فكأنها وعت ما قاله المرسلون السابقون، وانتظمت مع الركب السماوى فى الإيمان بالله والعمل له. لكن موقف المسلمين من القرآن الذى شرفوا به يثير الدهشة! ومن عدة قرون ودعوة القرآن مجمَّدة، ورسالة الإسلام كنهر جف مجراه أو بريق خمد سناه..! والأمة التى اجتباها الله تتعامل مع القرآن تعاملا لا يجوز السكوت عليه، كان الجاهليون الأقدمون يصمون آذانهم عن سماعه، ويتواصون بالشغب على مجالسه ويعالنون بتكذيب صاحبه حتى شكا صاحب الرسالة إلى ربه هذا الكنود، قائلا: (يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا). أما المسلمون المتأخرون فهم يسمعون وقد يتأوهون أو يسكنون، ولكن العقول مخدرة والحواس مبعثرة ومسالك الأفراد والجماعات فى واد آخر، وكأنها تنادى من مكان بعيد! والأمة المنتمية إلى القرآن مجهولة مستوحشة، والحضارة التى يصنعها لا تجد من يصور معالمها بإتقان، ولا من يعبد طريقها بذكاء، ولا من يفتح لها دكانا صغيرا فى ص _٠٢٤