مدخل من خلال رحلتك الطويلة مع القرآن، حفظا وتفسيرا وتعليقا ودعوة، ما النصيحة التى ترى مسلمى اليوم بحاجة إليها للتعامل مع القرآن، ورسم الطريق للتخلص من حالة الهجر التى هم عليها، فيعود المسلمون إلى القرآن، أو يعود القرآن للمسلمين، ليكون مصدرا لشحذ فاعليتهم، وبناء نهضتهم، والوصول بهم إلى موقع القيادة والشهادة؟ وبمعنى آخر: كيف يمكن لنا أن نحدد الشروط اللازمة للشهود الحضارى من خلال وضع منهج للفهم جديد، للتعامل مع القرآن، يكون نتيجة لاستقراء الواقع والحاجة والمعاناة التى يعيشها المسلم اليوم، وذلك باعتبار القرآن هو النص الخالد المجرد عن حدود الزمان والمكان، والمجمع عليه من قبل المسلمين كلهم؟ حال المسلمين مع القرآن الكريم تستدعى الدراسة المتعمقة، ذلك أن المسلمين بعد القرون الأولى، انصرف اهتمامهم بكتابهم إلى ناحية التلاوة، وضبط مخارج الحروف، واتقان الغُنن والمدود، وما إلى ذلك مما يتصل بلفظ القرآن والحفاظ على تواتره كما جاءنا، أداء وأحكاما ـ أقصد أحكام التلاوة ـ لكنهم بالنسبة لتعاملهم مع كتابهم، صنعوا شيئا ربما لم تصنعه الأمم الأخرى.. فإن كلمة "قرأت "، عندما يسمعها الإنسان العادى أو يقولها، تعنى: أن رسالة جاءته أو كتابا وقع بين يديه فنظر فيه، وفهم المقصود منه.. فمن حيث الدلالة لا أجد فكاكا بين الفهم والقراءة أو بين السماع والوعى. أما الأمة الإسلامية، فلا أدرى بأية طريقة فصلت بين التلاوة وبين التدبر، فأصبح المسلم اليوم يقرأ القرآن لمجرد البركة، كما يقولون، وكأن ترديد الألفاظ دون حس بمعانيها، ووعى لمغازيها، يفيد أو هو المقصود. وعندما أحاول أن أتبين الموقف فى هذا التصرف، أجد أنه موقف! مرفوض من الناحية الشرعية، ذلك أن قوله تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) يعنى الوعى والإدراك والتذكر والتدبر.. فأين التدبر؟ ص _٠٢٦


الصفحة التالية
Icon