وأين التذكر مع تلك التلاوة السطحية التى ليس فيها أى إحساس بالمعنى، أو إدراك للمقصد، أو غوص فيما وراء المعنى القريب، لاستنتاج ما هو مطلوب لأمتنا من مقومات نفسية واجتماعية، تستعيد بها الدور المفقود فى الشهادة على الإنسانية وقيادتها إلى الخير؟.. بل أجد غياب بعض صفات عباد الرحمن التى وردت فى القرآن الكريم، ومن أنهم قوم يقبلون على القراءة بحواسهم، فهم: يسمعون، ويبصرون، ومن ثم يتحركون. نعم، قد يغيب عن الإنسان معنى كلمة قد تكون غريبة عليه، وربما يعز عليه إدراك جملة من الجمل، لأن التعبير القرآنى فى درجة من البلاغة لم يتذوقها هو.. وما من شك فى أن القرآن، كتاب العربية الأكبر، ومنهل الأدب الخالد.. ولا يقبل إطلاقا أن ينتهى المسلم إلى ذلك النوع الذى ذكره الله تعالى حين وصف عباد الرحمن بقوله: (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا) وأجد اليوم أن الذين يخرون صفا وعميانا، كثيرون، فالأمم الأخرى أدركت حال المسلمين مع كتابهم، لذلك وجدنا إذاعات عالمية تحدد فترات لإذاعة القرآن، فإذاعة لندن تقدم تلاوة يومية للقرآن تفتتح بها برامجها، وربما تذيع إسرائيل أيضا قرآنا فى فترات ومناسبات متعددة، وكأنها اطمأنت إلى أن الأمة الإسلامية اليوم تسمع ولا تعى. هذا موقف لابد أن نحسمه، وأن نبتعد عنه. ونعالج أسبابه، وما سمعت كلاما معقولا أو مقبولا فى تبريره وتسويغه، فقد ذكر بعضهم أن ابن حنبل رحمه الله رأى الله فى المنام، واستفتاه فى أحب شىء يقرب إليه. قال: كتابى يقرأ.. فسأله بفهم أو بغير فهم؟ قال: بفهم وبغير فهم!! والمعروف أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ من رؤى النائمين، ومهما كانت مكانتهم بين المسلمين.. الحكم الشرعى له مصادره من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. وهذا الكلام الذى يُروى عن رؤيا ابن حنبل صح أو لم يصح، لا ينبغى أن يكون له فى النفوس ما يجعل معظم المسلمين على الحال الشاذة التى


الصفحة التالية
Icon