والجحيم عندما يكون القرآن وصفا للجزاء الأخروى وما أعد لهؤلاء وأولئك.. أى أن النبى عليه الصلاة والسلام كان يحيا فى جو القرآن، وهذا هو ما جعل الإمام الشافعى رحمه الله يقول: إن السنة هى فهم النبى للقرآن، أو نضح فهمه للقرآن، فهو مرتبط به ارتباطا تاما فى حياته، فى ظاهره وباطنه. والأمة التى نزل عليها القرآن فأعاد صياغتها، هى المعجزة التى تشهد للنبى عليه الصلاة والسلام بأنه أحسن بناء الأجيال، وأحسن تربية الأمم، وأحسن صياغة جيل قدم الحضارة القرآنية للخلق.. فنحن نرى أن العرب عندما قرأوا القرآن، تحولوا تلقائيا إلى أمة تعرف الشورى وتكره الاستبداد، إلى أمة يسودها العدل الاجتماعى ولا يعرف فيها نظام الطبقات، إلى أمة تكره التفرقة العنصرية، وتكره أخلاق الكبرياء والترفع على الشعوب. ووجدنا بدويا كربعى بن عامر رضى الله عنه يقول لقائد الفرس: جئنا نخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.. إنهم فتح جديد للعالم، وحضارة جديدة أنعشت الإنسانية ورفعت مكانتها، لأن الأمة الإسلامية كانت فى مستوى القرآن الكريم، والحضارة الإسلامية إنما جاءت ثمرة لبناء القرآن للإنسان.. لذلك بدأت تختفى الآثار الفكرية والنفسية لآداب الفرس، ولفلسفة الروم، لأن القرآن الكريم جاء بجديد: حول الكلام والتوجيه من تجريدات ذهنية نظرية جدلية ـ كما يفعل الفرس واليونان والرومان ـ إلى منطق ملاحظة واستقراء، ومنطق وعى الكون واحترامه، والتعرف على سننه ومشروعية التعامل معه لعمارة الأرض وبناء الحضارة. فالفكر الإغريقى فكر تجريدى، يرى أن المادة خسيسة، وأن المعنويات هى فى الاستعلاء على المادة.. أما الفكر المأخوذ من القرآن الكريم فهو فكر علمى وعملى، يحترم المادة ويعلى شأنها، بل يرى أن خالق المادة يقسم بها، وما أقسم بها إلا لأنه ص _٠٢٩


الصفحة التالية
Icon