وأقرأ قوله تعالى: ص _٠٣١
(و كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) كنت أفهم مثلا أن هناك شيئا كحمامة أو غراب، يجعل فى عنق الإنسان.. والغريب أن هذه الطريقة فى الحفظ لألفاظ القرآن، صرفتنى عن معان كثيرة كنت أمر بها ولا أعرفها.. وأنا كبير، أقرأ، ولكن لأنى حفظت الكلام دون فهم للمعنى أجد نفسى ـ فى كثير من الأحيان ـ أمضى دون فهم للمعنى؟ لأن الحفظ كان يغلب على التدبر أو على إحسان الوعى.. وما بدأت أفكر حتى أكرهت نفسى على أن أعود فأدقق النظر فى كل ما أقرأ، وأحمل نفسى على ترك هذه العادة التى ورثتها مع الحفظ، بل قد يخيل إلى أن بعض الكتاتيب أساءت إلى القرآن من حيث تريد الإحسان، ومن ناحية أنها خرجت أشرطة مسجلة، ولم تخزج كيانات حية للناس. لذلك أرى: أنه لابد من إعادة النظر فى هذا الموضوع. ناقشت نفسى بعد ذلك، وكنت أريد أن أقول: لا معنى لأن يحفظ الصغار القرآن الكريم.. لكنى ـ من باب طرح الموضوع وتقليب النظر فيه، وهذا شىء لا أحب أن أنفرد فيه بحكم، بل أحب أن يشارك الآخرون معي الرأى فى هذا المجال ـ عندما أنظر إلى التلفاز وهو يقدم برامج الأطفال التى من المفروض أن تكون مدروسة فى جميع النواحى، أجد أن العقل يبعد عن البرامج، وأجد مسرح العرائس، وأجد المستحيلات تعرض على الأطفال، كأنما المهم هو إشباع الخيال! فقلت فى نفسى: إذا كانت التربية الحديثة تبعد العقل وتتجه إلى إشباع الخيال، وتستهوى الأطفال بمثل هذه المناظر، وما دام هناك قدر من ترك العقل فى تربية الطفل، فليحفظوا الألفاظ. لكن جاءنى مرة أخرى تساؤل: فما قيمة حفظ الألفاظ إذا كنا سنقتصر عليها ونقدم للمجتمع ببغاوات تجيد ـ إن كانت صيتة ـ موسيقى الأداء، وإن كانت غير صيتة تجيد الحفظ العادى، وينتهى الأمر؟ أرى أن الأمر يجب أن يطرح، وأن يكون موضع مراجعة، وحوار، ومناقشة، وأخذ ورد، من قبل متخصصين فى التربية وعلم نفس الطفل،


الصفحة التالية
Icon