الناس اعبدوا ربكم) توحيد، ص _٠٤٢
فيه أمر للناس بالعودة لله، لكن: (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون). انظر إلى طريقة القرآن: كيف عرض الكون، ومظاهره، وحقائقه وهو ينفى الشركاء ويؤسس عقيدة التوحيد، وهذا فى المدينة.. كذلك نجد المسلك نفسه فى مكة: (الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون * ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون * كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون). فالمحاور التى يقوم عليها القرآن الكريم ـ كما شرحنا فى كتاب لى ـ ليست مقسمة على أساس أن هذا المحور لكذا، وذاك المحور لكذا، ولكن نحن بجهدنا العقلى نجىء لآية واحدة، أو لطائفة من الآيات يمكن أن تكون فى قضية واحدة، فنرى أن هذه القضية الواحدة تماسكت الآيات فيها على عدة محاور من الكلام عن الله، والكون، والجزاء، والنفس البشرية، والإيمان، والأخلاق، تماسكا غريبا لا يعرف إلا فى هذا القرآن. وهذا يجعلنا ـ كما قلت ـ نقدم التصور الحضارى للقرآن على أنه يبنى أمة، ويفتح أبصارها على الكون، ويمنحها الرؤية المتميزة التى تمكنها من الشهود الحضارى على مختلف الأصعدة. أهمية النظر فى الآيات الكونية: فأنا كنت فى الجو يوما، ونظرت إلى سحابة تشبه جبلا له نتوءات أمامى، وبدأت أفكر: أين تصل هذه السحابة؟ أين تكونت؟ أى زرع سيخرج منها؟.. وبلغ بى تصور وتسلسل الصور إلى: أنه من يدرى، فربما شربت كوبا من عصير البرتقال من مطر هذه السحابة، وهى تنزل فى البلد الذى أصل إليه! فالقرآن يمنح المسلم رؤية كاملة ومنهجا متماسكا يجعل من الحياة خطوطا متوازية لا تصطدم مهما امتد الزمن، فتجعل العلم مع الإيمان، أو تجعل ما وراء المادة مع المادة، أو تجعل السرائر الباطنة مع المشاعر الحسية، لا فواصل بينها. ص