لوجدت أن نصف كتبها فى الفقه. لقد تقلصت فى ثقافتنا الإسلامية الرؤية القرآنية الشاملة، واختزلت المحاور والمقاصد، وأصبحت المصادر الإسلامية تقرأ على أنها فقه.. السيرة تقرأ على أنها ص _٠٤٧
فقه.. والسنة كذلك.. والقرآن على أنه فقه.. ولا أقصد بالفقه هنا: المعنى العام الذى يعنى فقه الحياة كما ورد فى القرآن، وإنما الفقه الذى انتهى إليه المعنى الاصطلاحى وهو: استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.. هذا غير صحيح، لأن كل أفق من هذه الآفاق، له صبغته، وله منابعه، وله هدفه الذى يسير إليه.. ونقل المنهج الأصولى ليصبح منهجا للتعامل مع النص القرآنى فى المجالات والمحاور كلها، فهذا غير صحيح، وغير دقيق، فلكل مجال آلات لفهمه. المنهج الأصولى مطلوب من غير شك، لتحديد المفاهيم، وضبط المعانى، خصوصا فيما يتصل بالدين والأحكام الشرعية والقانون، لكن معروف أن العقل القانونى يتطلب أدوات ووسائل، ويهدف إلى مقاصد غير العقل الفلسفى.. والعقل الفلسفى غير العقل العلمى، بالمصطلح العلمى الجديد الذى تعتمد وسائله على التجربة والملاحظة والاستقراء والإحصاءات والاختبارات، والاعتبار بذلك كله للوصول إلى الحقيقة العلمية المطردة.. كل أفق له وسائله الخاصة به.. وقد تعددت الثقافة الإنسانية وتشعبت الاختصاصات التى تبحث الآن عن الكون، وعن الإنسان، وأصبحت العلوم الإنسانية الآن: علم نفس، الاجتماع، الاقتصاد، السياسة، الأخلاق، التربية، الجمال، التاريخ.. ولكل علم منهجه وطرائقه ومقاصده. المشكلة أن العقل المسلم توقف عن النمو فى هذه المجالات ـ لعدة أسباب ـ مع أن موضوع القرآن هو الإنسان، ومحل آيات الله هو الكون، ولابد للإنسان من التدبر فى القرآن، والتعرف على سنن الكون وقوانينه التى لا يتحقق بدون إدراكها تعمير الأرض.. لكن عصور الانحطاط والتخلف والتقليد، أوقعت المسلمين فى عجز الرؤية وتجزؤ النظرة، فأصبح الفقه يعنى: استنباط الأحكام